المتابع للمشهد السياسي الاردني حالياً يلاحظ ان هناك صراع وتناقض محتدم يستبطن أختلاف في الرؤى ... والخوف من ان نصل لحظة حرجة وفِي معركة مع شيطان الكراهية
فما احوجنا إلى تعلم ثقافة الاختلاف لا الخلاف فنظرية ان لم تكن معي فلا يعني انك ضدي ... اما ان لم تكن معي فانت ضدي فهدا منطق مرفوض ... فلو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون يختلفون ... فالاختلاف هو لاختلاف المفهوم فمن غير المنطقي ان يولد الاختلاف في الرأي الكراهية ... فليس كل ما يعجبنا يعجب الاخرين ....... فرحم الله الامام الشافعي حين قال كلامي صواب يحتمل الخطأ وكلام خصمي خطأ يحتمل الصواب
فالوطن كمفهوم شامل لا يقتصر على البقعة الجغرافية والارض المرسومة بحدود سياسية مصطنعة ... فالعلاقة الوجودية بالوطن لا تنحصر لفئة معينة عن أخرى
فما تحدث به عدنان ابو عودة في مناسبة اشهار كتاب عبدالرؤوف الروابده قبل قبل عدة ايام في صحيفة الرأي الحكومية ان العائلات الفلسطينية بالضفة الغربية لم تكن تقبل بقرار وحدة الضفتين لولا وجود الهاشميين وهذه برأيي حقيقة لا يختلف عليها اثنان داخل الاردن وخارجه ايضاً
وانا لست هنا بصدد الدفاع عن ابو عودة فهو لا يحتاج الى دفاع ... فانا لا اعرف ابو عودة حق المعرفة ولَم التقيه الا مرة واحدة وبمناسبة عامة ... لكنني مستاء من وصولنا إلى نقاشات ومهاترات قد تضر بِنَا ... فما قاله ابو عودة قبل ايام وقبل سنوات يجب إلا يخضع لمزايدات سياسية ولا لهويات فرعية
فالاردنيين يعرفون ابو عودة حق المعرفة فهو سياسي ومُفكر من الحرس القديم ودوماً عودنا في قرأته للمشهد السياسي الدولي والاقليمي .. فهو سياسي يقظ ويهتم بادق التفاصيل ويحمل فكراً عربيا قومياً خالٍ من الاقليمية ولَم يحاول ان يحتكر التاريخ لنفسه ... فهو قادراً على ممارسة الجرأة في الحديث والطرح والتحليل وابداء الرأي .... فقد كان في بعض المراحل شاهداً وفاعلاً في صناعة الواقعة ووفياً لأردنيته ولطالما قال وردد أن الاردن هو الاب لفلسطين ومن خلال ايمانه العميق لحتمية العلاقة الوحدوية بين الاردنيين والفلسطينيين
وهو برأي حتى من يختلف معهم انه من أكثر النُخب السياسية ذكاء وثقافة وقدرات فكرية عالية ... فكثيراً ما افصح اللثام عن كثير من القضايا الاشكالية واعاد تشكيلها ورؤيتها من زوايا وطنية بحتة
والسؤال هو اين أخطأ ابو عودة ؟ فما تحدث به سابقاً حول قرار فك الارتباط كان صحيحاً ... فقد كان ذلك بظروف معينة استوجبت ذلك .. وكانت من طرف واحد فقط ولطالما وجه نقده المباشر لصناع اتفاقيات اوسلوا ووصفهم بأنهم لا يعرفون ابجديات التفاوض السياسي وحذر ايضاً من التحديات التي تواجه الاردن اذا ما تمت صفقة القرن وما ستفرزه من نتائج واثار سياسية واقتصادية على الاردن بحكم موقعه الجغرافي السياسي وعلاقته التاريخية مع فلسطين
فذاكرته مليئة بالكثير وهي تاريخ لمراحل مهمة ... فقد كان له رأي في موضوع غزو الكويت حين شبه الرءيس صدام ضم الكويت بضم الجولان ... فقال للرءيس صدام ان الكويت دولة ذات سيادة اما الجولان فهي ارض محتلة
وعشية مؤتمر مدريد للسلام سأله نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام بدنا نسمع رايك يا ابو السعيد بالسياسة الامريكية .. فكان رد ابو عودة عليه يا ابا جمال بعد حفر الباطن اللي مثلي بيجوا عندك عشان يتعلموا السياسة الامريكية
بعتب عليه البعض انه صاحب مفردات سياسية مُثيرة للجدل بخصوص عتبه على الديموغرافيا السياسية الاردنية ..... فنحن ايضاً نعتب كثيراً على الدولة في أفرازاتها وعلى الحكومات في تعييناتها واثارة مشاعرنا جميعاً
فعلى ما يبدو فهناك انكماش للمجال السياسي وخلل في الجسم السياسي ... فعندما يشتد الخلاف ويحتد الصراع الفكري بين بعض النُخب وتلتهب حلقة النقاش بالاراء المختلفة المتضاربة وتبلغ أوجهها ... فلا بد من مراعاة استمرار وبقاء الود الود واللطف والتواصل ... فالخلاف في الرأي هو مدعاة لتنمية الافكار والاراء وتكامل العقول
فدوماً أسئل نفسي هل يوجد في الاردن من يحترف السياسة ويقدم اراء سياسية من وقت لأخر ؟ فعندما نتأمل تاريخنا السياسي منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي نلحظ أن الاردن كانت تزخر بالعديد من شاغلي المناصب السياسية وكانوا يتمتعون بقوة الحجة وبراعة التعبير وطرح الحجج المقنعة .... فقد كانوا رافعة سياسية .... فالذي يُصيبنا بالحسرة أنه لم يعُد لدينا سياسيين سوى عدد قليل جداً
فالخوف على الاردن ليس حكراً على احدا دون الاخر ... فالاردن ليست بلد الاردنيين وحدهم فهناك الكثيرين ممن يعيشون معنا وهم اردنيين يحبون الاردن كما نحبه فهو وطنهم