لم تتعرض شاشة محلية لملاحظات من الجمهور بقدر ما تعرضت اليه شاشة التلفزيون الاردني، وهي ملاحظات وان قست في بعض محتواها الا انها قسوة مبررة، لا يمكن تفسيرها الا من باب الحرص الزائد والغيرة الكبيرة لابناء وبنات الوطن لان تبقى هذه الشاشة تجمعنا بكل وقت.
وأظن ان الإدارة الحصيفة هي التي تسعى دوما للاستماع بعقل منفتح لأية ملاحظات من متلقي الخدمة، فما بالك حينما يكون هذا الجمهور هم أبناء الوطن من مشاهدي التلفزيون الأردني، التلفزيون المؤتمن على صورة الأردن وقيمه وتقاليده ورسالته، حينها ينظر لهذه الملاحظات أنها نابعة من أفراد أسرة حقيقون لا أجندة لهم سوى ان تكون صورة شاشتهم تليق بإرث دولة تلج مئويتها الثانية بارادة حقيقة في الاصلاح والبناء!
الأكيد ان المطلوب كبير جدا من التلفزيون الأردني بالنسبة للمتابعين والمشاهدين والغيورين عليه، يفوق ربما امكاناته والسياق الفني والمالي ولا أقول البشري!! بالنتيجة المتابع او المشاهد لا يعنيه مبررات اي تراجع او فقدانه الاهتمام بمتابعة شاشة بعينها، فهو يعتقد ان كل مستلزمات التفوق والتطور وبيئة الإبداع متاحه للتلفزيون الأردني كما يراها في محطات وقنوات ربما أخرى محلية واقليمية، فهو يحكم على الصورة النهائية التي تظهر على الشاشة ولا يلتفت الى عمليات إنتاجية فنية وهندسية، ولا يعنيه مستوى "المؤسسية" وقوة حضورها من غيابها في إدارة شاشة التلفزيون الوطني!!
كل ردات الفعل على ما كنا نراه سابقا من بعض الهفوات او الاخطاء هي في سياقها الطبيعي والمقبول لا بل المطلوب لأغراض القياس والتطوير، وبحكم اطلاعي و بكثب عن حجم إرادة التغيير والعزيمة في التطوير والتحديث للاستمرار في عادة الألق والثقة بالتلفزيون الأردني، تجعلني أشارك جزءا من شعور التفاؤل مع الأردنيين، مع يقيني ان الصورة النمطية المشكلة عن التلفزيون الأردني والتي غالى البعض في انتاجها وتكريسها تحتاج الى منح التلفزيون الأردني فرصة زمنية يُعيد ترتيب أوراقه وأولوياته من جديد..وهو ما يحدث الآن لمن يراقب شكل الشاشة ومكوناتها منذ مطلع هذه السنة!!
البعض أمعن في محاكمة التلفزيون الأردني عتبا وغضبا، والبعض أبرح شاشة الوطن جلدا ونهشا، والبعض إنساق يقارن التلفزيون الأردني بغيره تصّيدا للاخطاء وجهلا بالمتاح، لكن ما يعنينا هنا تلك الأراء والملاحظات الصادقة المخلصة التي تقدم لإدارته والقائمين عليه محبة وحرصا!! وهنا القوة الحقيقية التي ينطلق منها التلفزيون الأردني في العودة للتربع على عرش مؤسسات الدولة الاعلامية!
الحقيقة ان جهودا كبيرة بذلتها مجالس الإدارات السابقة في السنوات القليلة الماضية ضمن المتاح من امكانات وموارد للإرتقاء بالشاشة الوطنية، لكن التغيير باتجاه التطوير لا يمكن ان يتم بدون تعزيز مفهوم "المؤسسية" التيهي العنوان الحقيق لاسترداد الثقة وهي التي تعيد الألق ايا كانت التحديات والضغوطات!!
ملفات عديدة من شأنها اذا ما تم فك تشابك خيوطها بنجاح ان تنعش مسيرة هذه المؤسسة وتنطلق بقوة في صدارة المشهد الاعلامي الاردني.. فالتلفزيون الاردني هو مزيج من هوية الدولة الشاملة وانعكاس للثقافة والفن والاعلام، وعلى ارض الواقع هناك جهدا فائقا يبذل لتصحيح المسار بصمت وهدوء ولكن بقوة بذات الوقت.
اليوم يمضي التلفزيون الأردني ضمن خطة جديدة تم خلالها مراجعة نقاط القوة والضعف فيه، وبحسب ما حدثني به رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون الزميل غيث الطراونه وما شاركه من افكار وخطط مع أعضاء مجلس الإدارة الجديد، فانه يمضي برؤية تؤمن بالمؤسسية والخروج من مساحات الأمان والراحة المُعتاد عليها الى إستنفار القوى الكامنة والإبداعية التي يمتلكها الزملاء في مختلف دوائر التلفزيون الأردني، وما يتطلبه ذلك من متابعة حقيقية وإقناعية ان التغيير باتجاه التطوير هي نتاج "شراكة" أبناء المؤسسة لتقود هذه الجهود الى أعمال ومخرجات ونتائج تليق بالناس!! وبعيدا عن الهدر في المال العام الذي نراه في بعض مؤسساتنا لغياب المتابعة احيانا، او المساءلة والمحاسبة في احيان اخرى، فإن توجيه الموازنة وبنود الإنفاق المرتبطة بالمحتوى هي ألف باء العمل التلفزيوني دون ان يكون ذلك على حساب الأمور الفنية والهندسية. كوادر التلفزيون الاردني تبذل اليوم جهدا تقنيا وفنيا وتكنولوجيا غير مسبوق لتجاوز الثوب التقليدي في طريقة إخراج محتويات إعلامية وعرضها باساليب وأدوات تناسب العصر الرقمي وتأمين وصول المحتوى الإعلامي لاوسع شريحه من الاردنيين عبر المنصات الرقمية ايضا الى جانب الشاشة.
ومن ضمن ما حدثني به الزميل الطراونه فان تفعيل الدائرة التجارية وتاهيلها هي من اولويات المرحلة المقبلة ورفدها بالمؤهلين القادريين على تسويق خدمات التلفزيون. فلا غرابة ان تقدم كل دائرة خططها ومشاريعها في التطوير وصولا للتغيير الافضل تعزيزا لنهج "التشاركية" في بناء المؤسسة وتحمل كل ابنائها مسؤولياتهم في النهوض بقدراتها وتعزيز مواردها وتجاوز تحدياتها.
وليس هناك مؤسسة أولى او أكثر قدرة وكفاءة من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية والتي يقع على عاتقها مسؤولية وطنية ومجتمعية في بناء جيل من الإعلاميين القادرين على حمل رسالة الدولة الاعلامية والدفاع عنها، فالتلفزيون الأردني زاخر بالكفاءات الإعلامية عالية التأهيل، ويعتبرون بيوت خبرة في المرئي والمسموع، وهم بالفعل نواة المركز التدريبي الذي يحتاج لتفعيل حقيقي ليأخذ دوره الطليعي في بناء المنظومة الاعلامية الوطنية، كما ساهمت ذات الخبرات بجهودها وهمتها وابداعها في تأسيس العديد من القنوات والمحطات الاذاعية والتلفزيونية داخليا وخارجيا، فان مجلس الإدارة الحالي يؤمن ان التلفزيون الأردني قادرة وبكفاءة عالية و عبر مركز التدريب من وضع وتنفيذ خطة وطنية طموحه ورائدة في التدريب الاعلامي تستهدف الاستثمار بالخبرات وتعزيز الموارد للمؤسسة والاسهام في بناء جيل اعلامي يتحمل مسؤوليات المرحلة المقبلة بكل تحدياتها!! لذا سينفتح التلفزيون الاردني ضمن خطته على شباب الوطن وسيتيح الفرص لابراز ابداعاتهم وطاقاتهم من مختلف محافظاته، وستولي ادارة التلفزيون ضمن خطتها المقبلة مزيدا من البرامج ذات المحتوى الشبابي التي تليق بشباب الوطن واماله وتحدياته.
لم يسعى التلفزيون الأردني في يوم من الأيام الى إستغباء جمهوره، ف "السرعة" في نقل الأخبارعلى اهميتها كمعيار في خدمة الجمهور لا تصمد أمام حرص التلفزيون الأردني على "الدقة" في النقل، وتاريخ التلفزيون الأردني يشهد انه من غير الممكن التضحية بسمعته المهنية وبجمهوره، وفي مفاضلة ثنائية (السرعة والدقة) فان التلفزيون الأردني ينحاز دوما للدقة بلا تردد!!
اليوم والتلفزيون الأردني الذي تعكس شاشته على الدوام قيم الدولة الأردنية بمؤيتها الثانية، يعي تماما حجم الامال والطموحات التي يريدها الاردني من شاشته الوطنية، ولا يقف عند التحديات والصعوبات المتراكمه والضاغطة، لكنه ماضي وبقوة في معركة إستعادة الثقة بلا تردد متسلحا بملاحظات واراء الغيارى من متابعيه ومحبيه، وسيقفز بما يمتلكه من إرث تاريخي عريق، و إرادة ابنائه الراسخه في خدمة الوطن و الأردنيين، الى عتبات المجد وقمم العطاء، ومرجعا معلوماتيا موثوقا، ومصدرا يضبط الأردنيون ساعاتهم عند كل نشرة إخبارية!!