الأردن : المواقع الأثرية في مهب الريح والحسنات يعترف : لا نستطيع حماية الآثار

mainThumb

15-12-2020 02:41 PM

عمان – السوسنة -  سوسن أبو السندس - تشكل المواقع الأثرية و السياحية إرثاً تاريخياً يعكس مسيرة وتطور الحضارة الإنسانية، وتعتبر عنصراً مهماً من عناصر الجذب الأساسية لشرائح واسعة من السياح القادمين للإطلاع على المكونات الثقافية للأردن، إلا أن بعض المواقع الأثرية تعاني من تدهور واضح في البناء المعماري نتيجة للتقادم الزمني أو بسبب تعرض الآثار لمتغيرات طبيعية تؤثر على استدامة المواقع الأثرية.
 
 وقال د. زياد الروابضة أستاذ السياحة والآثار في الجامعة الأردنية لــ " السوسنة " إن :"عدد المواقع الأثرية المسجلة رسمياً بلغ 15 ألف موقع، وما يقارب2800 موقع متضرر، ويحتاج إلى صيانة وترميم بأسلوب علمي وممنهج وبمواصفات تناسب معايير الموقع الأثري، إذ إن لكل موقع مكونات معمارية مختلفة يجب مراعاتها، و لا بد من دراسة مكونات عناصر الموقع وطبيعة تكوينه المعماري لتحديد المواد التي ستستخدم للترميم شريطة مطابقتها للمكون الأساسي، إذ يمنع التلاعب في المكونات أو تغيير ملامح المواقع الأثرية، الأمر الذي يثقل على وزارة السياحة والآثار نظرا لإرتفاع التكلفة المادية لصيانة المواقع الأثرية، لذلك تتم عمليات الصيانة عادة بدعم من بعض المؤسسات والمنظمات المهتمة بالمواقع الأثرية".
 
" الأردن بأكمله متحف مكتمل" تلك كانت مداخلة د.مفلح العدوان أستاذ السياحة والآثار في جامعة آل البيت، قائلا إن ضعف الصيانة والترميم للمواقع الأثرية يبنى على عدة أسباب، أهمها نقص البنية المادية للبناء الأثري مثل نقص في بعض الأعمدة التي تعتبر من المكملات الأثرية المهمة للمعابد والمدرجات، حيث تعرضت المواقع الأثرية إلى السرقة والنهب أثناء التنقيب عن الآثار في مراحل قديمة، ولم يتم الإعلان أو الإفصاح عن بعض المكتشفات الأثرية،الأمر الذي يتعذر معه الترميم والصيانة في ظل نقص القطع الأثرية. 
 
وأشار العدوان إلى أن مرحلة ما قبل تأسيس الدولة الأردنية، تم نقل الكثير من الآثار إلى خارج الأردن، منها ماهو موجود إلى الآن في متحف اللوفر مثل مسلة ميشع، وبوابة قصر المشتى التي نقلت بالكامل إلى ألمانيا، من قبل المستشرقين وعلماء آثار قدموا  إلى المنطقة بهدف التنقيب عن الآثار.
 
لذلك تقوم وزارة السياحة والآثار ب "طمر" بعض المكتشفات الأثرية من جديد، ويعود ذلك لعدم قدرة الوزارة على ترميمها وصيانتها، فتلجأ إلى إخفائها حفاظا عليها من عبث العابثين فضلا من إكتشافها وتركها، على حد تعبير العدوان.
 
 مسلة الملك ميشع في متحف اللوفر
 
وأردف العدوان قائلا إن ضعف توثيق القطع المعدنية والأثرية الموجودة في المواقع الأثرية والمتاحف جعل منها عرضة للسرقة، مشيراً إلى ماحدث في متحف جبل القلعة إذ تعرضت بعض القطع النقدية إلى تبديلها بقطع نقدية مزورة، محملا المسؤولية لدائرة الآثار العامة قائلا: "رغم أن دائرة الآثار من أقدم المؤسسات في الدولة إلا أنها تستخدم تلك القطع النادرة في الترويج للسياحة وتجعلها متاحة أمام السواح" الأمر الذي قد يلحق الضرر في بعض المقتنيات الأثرية، وبالتالي تكون معرضة للضرر الكبير، وفي ظل عدم الصيانة والترميم نفقد إرثا حضاريا وإنسانيا مهما.
 
ولفت العدوان النظر إلى قضية أخرى والمتمثلة في تهميش بعض الآثار المكتشفة، وأوضح أن هناك مايقارب 25 مدرجاً رومانياً في العالم، يحتضن الأردن  15مدرجاً إلا أن ما يتم الترويج له كمنتج سياحي لا يتجاوز ثلاث مدرجات فقط، وهم المدرج الروماني في عمان، وجرش وفي ذات راس في الكرك، وإن دلّ ذلك على شيء يدل على قلة المعرفة بقيمة الآثار الرومانية، مؤكدا على صلاحية المسارح والمدرجات الأخرى للإستعمال وعلى جاهزية استقبالها للسياح.
 
و للتعليق حول موضوع تهميش بعض المواقع الأثرية تم التواصل مع د .عبدالرزاق عربيات مدير عام هيئة تنشيط السياحة في الأردن، قائلا لــ " السوسنة "  إن :"مهمة الهيئة تقتصر على الخطوات المهتمة بتنشيط السياحة من خلال الترويج والتسويق للموقع الأثري، والإعلان عنه على وسائل التواصل الاجتماعي والمحطات المحلية والعالمية، اضافة إلى استقطاب المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ليقوموا بدورهم في الإعلان عن تلك المواقع الأثرية، أما إن كان الموقع  خارج نطاق الخدمة أو غير مخصص لإستقبال الزوار فلن يتم الترويج له، وذلك بالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار".
 
 
التحديات التي تواجهها المدينة الوردية 
 
انطلاقا من كون البتراء"بطاقة الزيارة" الخاصة بالأردن، تتجه الجهود المحلية عن طريق سلطة إقليم البتراء، والدولية ممثلة (باليونسكو منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة) المسؤولة عن التراث العالمي، إلى حماية هذا الموقع الفريد من نوعه، إذ أن البتراء واحدة من أهم المواقع الثقافية في العالم و مسجلة على قائمة التراث العالمي لذلك تلتزم الأردن بإتفاقيات ملزمة مع اليونسكو بهدف الحفاظ على هذا الإرث الحضاري، وذلك بحسب دائرة الآثار العامة.
 
رغم الاهتمام الخاص بالبتراء إلا أنها وبحسب ماجد حسنات مفوض البنية التحتية في سلطة إقليم البتراء أن هناك ما يقارب 17 موقعا داخل الخزنة _واجهة البتراء_ بحاجة إلى ترميم قائلا لــ " السوسنة "  إن :"الموقع بحاجة إلى "تدخل سريع"، ولذلك منع السياح من دخول الخزنة حماية لهم، إضافة إلى مواقع أخرى آيلة  للسقوط"، على حد وصفه.
 
وأوضح حسنات لــ " السوسنة "  أنه وبحسب الخطة الإدارية للمواقع الأثرية، يتم تحديد المواقع المحتاجة إلى صيانة وترميمها بشكل دوري، و تحديد آلية العمل بالترتيب مع الشركاء وأهمهم اليونسكو، وأضاف أن :"عمليات الترميم والصيانة مستمرة"، مشيرا إلى الترميم الحالي في  منطقة السيق الذي يقوم على تثبيت الصخور غير الآمنة، وذلك لإستغلال فترة عدم اكتظاظ السياح في الوقت الحالي، إلا أنه وصف عمليات الصيانة بالعمليات البسيطة وأن البتراء تحتاج إلى أكثر من تلك العمليات، مشيرا إلى نقص السيولة العائق البارز الذي  يجعل من عمليات الصيانة والترميم عمليات غير مكتملة.
 
و أضاف الأستاذ عبد الله أبو رمان المدير التنفيذي للجمعية الوطنية للمحافظة على البتراء لــ " السوسنة "  أن أعمال الصيانة والترميم في البتراء تحتاج لخطة عمل واضحة، وقائمة على دراسة شاملة تحدد أولويات الترميم، التي تقدم بدورها للمنظمات المانحة لمبلغ أعمال الترميم والصيانة، حيث ترصد اليونسكو مبلغا ماليا مخصصا لأعمال الصيانة.
 
ومن جهته علّق حسنات على مساعدات (اليونسكو) أن معظم المخصصات المالية تذهب إلى الإحتياجات الإدارية، ويبقى جزء قليل فقط لأعمال الصيانة والترميم، واصفا تلك المساعدات بأنها "غير كافية"
 
وأضاف حسنات أنه تم رصد مبلغ (دينارواحد) من كل سائح من قيمة تذكرة الدخول للموقع لأعمال الصيانة والترميم، ففي عام 2019 تم تجميع ما قيمته مليون دينار من مليون زائر.
 
وأشار حسنات إلى أن أقل من 20% فقط من الآثار النبطية تم إكتشافها أو تم الإعلان عنها، يقول "أعترف وبمرارة أننا لا نستطيع حماية الآثار" موضحا أن القطع الأثرية تحتاج إلى ظروف مناخية وإجراءات لا تتوفر لدى الوزارة للحفاظ عليها، وذلك لتنوع الصخور الموجودة في البتراء، وكل نوع من الصخور يحتاج معالجة مختلفة عن غيره للحفاظ على ديمومته، اضافة إلى قانون التنقيب عن الآثار- المادة 22- الذي يجيز لأي جهة علمية مهتمة بأعمال التنقيب من أي بلد عربي أو أجنبي التنقيب عن الآثار بالترتيب مسبقا مع الوزارة،الأمر الذي يؤثر على تنظيم عملية التنقيب.
 
من جهته قال عربيات إنه يمنع قانونا تدخّل هيئة تنشيط السياحة في أعمال الصيانة والترميم، ويترك ذلك للبلديات أو للسلطات القائمة على المواقع الأثرية، رغم إهتمام الهيئة بإستمرارية وديمومة المواقع الأثرية، وأضاف انه تم تخصيص مبلغ 10 ملايين دينار في عام 2018 لأعمال التسويق للمنشآت السياحية والمواقع الأثرية. 
 
أضاف أبو رمان :"يوجد تحديات أخرى تواجه البتراء وصفها ب"سلطة المجتمع المحلي على الموقع الأثري"،  الذي ينطوي على تجمعات عشائرية من السكان الأصليين يحاولون الإستفادة المادية من المنطقة الأثرية لأنها تعتبر للبعض مصدر رزق، لذلك بقيت بعض المظاهر خارجة عن نطاق التنظيم، مثل الإرشاد السياحي واستخدام الرواحل الخاصة داخل البتراء (أي الخيول والجمال)، خصوصا أن جزءا من السكان لا زال يقطن في محيط المواقع الأثرية، لذلك سعت الحكومة لبناء وحدات سكنية خارج نطاق المنطقة الاثرية، في محاولة لتقليل سيطرة السكان على الموقع إضافة إلى وجود بعض الآثار غير المكتشفة في نطاق الملكيات الخاصة، الأمر الذي يحتاج إلى تسوية من نوع خاص مع الملاك للبدء في التنقيب عن تلك الآثار".
 
 
 المجتمع المحلي داخل البتراء / تصوير سوسن أبو السندس
أما عن نقص الخدمات العامة داخل المواقع الأثرية قال حسنات يمنع التغيير في معالم أي موقع، لهذا يصعب بناء "دورات المياه "مثلاً داخل الموقع الأثري وأشار إلى وجود عدة دورات مياه خارج المنطقة الأثرية.
 
وأشار حسنات إلى بعض التجديدات في عملية تنظيم خروج السائح من الموقع، إذ تم تحديد مخرجاً مختلفاً عن المدخل المعروف ب "السيق"، وتم تجهيزه بباصات تساعد السائح على الخروج من الموقع دون عناء، بعدما لوحظ أن عملية الخروج من الموقع تكون مرهقة للسائح.
 
 
البعد الإقليمي في السياحة الأردنية
 
قال العدوان إن هناك منعطفا خطرا في حركة السياحة الإقليمية، إذ تكون الأردن عادة محطة ثانية بعد " المحتل الإسرائيلي"، فتقدم للزائرين رواية مغلوطة خاصة في موقع المغطس من قبل "الإسرائيلين" في أن المغطس الموجود غربي النهر هو مكان تعميد السيد المسيح، إلا أن الأردن هو من يحتضن المغطس الذي عُمّد فيه المسيح، ووثق ذلك في مركز التراث العالمي.
 
ومن جهته أكد الدليل السياحي محمد عبدالنبي سلامة على أهمية تأهيل المرشدين السياحيين، رغم أن القوانين والإجراءات المعمول بها من قبل وزارة السياحة والآثار تمنع ممارسة مهنة الإرشاد السياحي دون الحصول على رخصة مزاولة مهنة، ويتطلب ذلك الانتساب لدورة تدريبية تعقدها الوزارة، ومن ثم الخضوع لامتحان تقيمي للحصول على رخصة الدليل السياحي، وتجدد هذه الرخصة كل عام، إلا أن المعضلة تكمن في "إقحام بعض الأشخاص أنفسهم في هذا العمل دون رخصة، ومعظمهم من المجتمع المحلي" إذ يقدموا معلومات مغلوطة ووقائع غير صحيحة للسواح، في ظل نقص المعرفة في المعلومات السياحية .

 

 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد