يَعبُر الأردن إلى مئوية الدولة الحديثة الثانية بعد بضعة شهور مثقلًا بملفات فارقة من تاريخه، بدءًا بتفشي واسع لفايروس كورونا في حدود 6000 حالة مصابة يومية وما يقارب 90 وفاة كذلك، مرورًا بانتخابات نيابية باهتة وصلت فيها نسبة المقاطعة الشعبية إلى 70% احتجاجًا على قانون الانتخاب الجدلي، فوصولًا إلى بوادر مصاعب اقتصادية عميقة أبرزها يتمثل بعجز مزمن وقياسي في الموازنة العامة يقارب 2بليون دولارًا ونسبة دين عام تتجاوز 100% من دخله القومي.
الانتخابات النيابية:
للموضوعية، فقد تمكنت الدولة بنجاح من إجراء هذه الانتخابات وبسلاسة، برغم انعكاس أوضاع الوباء والركود على الجو العام وتزامنه مع إجراءات الحظر الشامل بدءًا من ليلة الاقتراع.
بلغت نسبة المشاركة 30% فقط ممن يحق له التصويت، وذلك من أدنى النسب التي تؤشر على وجود خلل عميق في العملية السياسية.
جرت هذه الانتخابات على ذات القانون السابق الذي أثار جدلًا ورفضًا واسعًا من النخب؛ فهو -حتى قبل تطبيقه- كان من الواضح بأنه يستهدف التمثيل الحزبي، ومن شأنه تفتيت الوحدة الاجتماعية العشائرية؛ فتشكيلة الكتل الوهمية التي يفرضها القانون حرمت البعض من القدرة على تشكيل كتلة، وجعلت البعض يفوز برغم حصوله على أصوات تقل عن المترشح غير الفائز!
الحضور القوي للمال السياسي وممارسات شراء الأصوات جعلت من رجال الأعمال مرشحين أقوياء في مواجهة النخب السياسية والثقافية التي لا طائل لها في مجاراة ذلك، خاصةً بعد توسع بؤر الفقر والبطالة بعد آثار كورونا الكارثية على مؤشرات السوق والاقتصاد.
جرى خرق واسع لأوامر الحظر الشامل ليلة إعلان النتائج، تبعها مشاهد فظيعة من الاحتفالات والتجمهر واستخدام الأسلحة للتعبير عن الغلبة العشائرية في الانتخابات.
في ضوء ذلك الخرق تمت استقالة وزير الداخلية الجديد.
عاد من النواب السابقين 30 تم إعادة انتخابهم، وجاء 100 كوجوه مستجدة، وغابت وجوه نشيطة ذات حضور نيابي قوي لم يحالفها الفوز مثل (الرياطي و طهبوب والعكايلة) بينما لم يترشح (الطراونة والحباشنة والهواملة، وخوري)أصلًا، في حين حالف الفوز شخصيات إعلامية شابة ونشيطة مثل (العياصرة و فريحات)، وتمثيل حزبي ضعيف جدًا ربما دفع به التأييد العشائري أكثر من أي شيء آخر.
اقتصاديات الوباء:
دخل الأردن حالة التفشي الواسع للوباء منذ تشرين أول/أكتوبر، بعد نجاح باهر لكبح الوباء إثر الحظر الواسع والإغلاق والحجر والتقصي الذي طُبّق بقوة منذ نيسان/أبريل.
لم يعد ممكنًا استمرار حالة الإغلاق؛ فقد أنهك ذلك المؤشرات الاقتصادية، وقتل إيرادات الخزينة، وعطّل الأعمال وأرزاق عمّال المياومة، فكان أن انضم البلد لقائمة الدول التي تأن تحت وقع الجائحة ليضع عبئًا جديدًا فوق الصعوبات التي تواجهها الدولة من قبل.
ستتكشف آثار الجائحة على الاقتصاد الوطني مع بدايات العام القادم 2021 على هيئة عجزٍ واسعٍ في ميزان التجارة، وعجزٍ أوسع في الموازنة العامة، ونموٍ كبيرٍ للدين العام، مما يضع البلد أما التحدي الأخطر منذ أزمته المعروفة عام 1989.
يحلو للبعض تبرير الصعوبات الاقتصادية بآثار الجائحة على النشاط الاقتصادي، ويحلو للبعض الآخر تفسير ذلك بالمزمن من الفساد وسوء الإدارة.
الحكومة ومجلس النواب هذا سيقودان دفة الأداء، تنفيذيًا وتشريعيًا للدخول في المئوية الثانية للدولة الحديثة، والتي كما تشير المعطيات ستكون بدايةً ذات تحديات حقيقية، ولن يكون سهلًا العبور بدون إصلاحات هيكلية عميقة للسلطات والنفوذ، والتمكين والإشراك الشعبي، عبر آليات ديمقراطية لطالما صدحت بها النخب الوطنية المخلصة.