سَفَرٌ على وَجل .. أيمن عبد الحميد الوريدات

mainThumb

13-06-2020 02:48 PM

لا وصفَ أستطيعه لشعوريّ عندما تمّ قبول طلبي عبر المنصّة الّتي خُصصت لعودة المغتربين إلى أرض الوطن، هو شعور ممزوج بالفرحة المشوبة بالخوف، بالفرحة الّتي خالطتها دموع ليست دموع الفرح وليست دموع الحزن، فقط هي دموع.

هو سفر لا ككلّ الأسفار؛ فقد اعتدتُ السّفر من الرياض إلى عمّان كل شهرين، أستعدّ قبل أسبوع بكمشة من الفرح والطاقة الإيجابيّة، وبهدايا لمن ينظرونني هناك في عمّان، هدايا مُختارة أو هدايا حسب الطّلب، وجرت العادة أنْ أخبر أحدَ ابنيْ ( طارق أو عبّود ) بموعد هبوط الطّائرة ليستقبلني في المطار، فما أن تهبطَ الطّائرة حتى أبلغه، وفي اللّحظة الّتي أنهي فيها إجراءات الدّخول حتى أجده بانتظاري، فأعانقه بحرارة ويسحب حقيبتي ويدي على كتفه، ويسارع لالتقاط صورة ( سيلفي) يرسلها إلى العائلة ها قد وصل.

في رحلتي الأخيرة يوم الثلاثاء 9/ 6/ 2020، وصلت مطار الملك خالد في الرياض، فكانت كلّ الإجراءات مختلفة تمامًا فالمطار كما المستشفى، الناس أخذوا مسافات للتباعد، يرتدي كلّ منهم كمامةً زرقاء أو سوداء، والإناث يرتدين ألوانا مختلفة، قفازات بألوان عديدة، مُعقّمات بكلّ الأنواع، مجسّات لقياس الحرارة في كلّ مكان، الكلام بين الناس مُخيف كلمات محدودة، يسألني أحدهم: هذا الاصطفاف لرحلة القاهرة؟ فأجبت خائفا بكلمة واحدة: عمّان.

نعم، عمّان الّتي أطير شوقا إلى وصولها ولكن على وجل، وجل من أن يكون هذا الفيروس كامن لنا هنا أو هناك، كامن في حقيبة، أو مقبض، أو ورقة، أو قارورة ما، فأنت لا تدري أين يكمن، لكن كُن على حذر حتى لا يُباغتك.

في مطار الملك خالد تمّت إجراءات السّفر بسرعة، وتوجهتُ إلى البوابة الّتي سأصعد منها إلى الطّائرة، محلّات القهوة والدونات والسوق الحرّة مُغلقة، لا مجال لاحتساء القهوة ولا لتناول شيء على عجل، احتجت إلى الماء فضغطت على الثلاجة بعد أن وضعتُ الريال فنزلت، لم أفتح القاراوة فورًا مسحتها بمنديل وشربت، نُودي على الرّحلة فاصطففنا بطابور طويل جدًّا فلا بُدَّ من التباعد بين المسافرين، أدخل المسؤول إلى الطائرة خمسة خمسة، تؤخذ حرارة كلٍّ منهم، ويوجّه إليه أسئلة سريعة حول وضعه الصحيّ مثل: عندك حرارة، سُعال، إنهاك في الجسم، خالطتَ أحد المصابين؟ وتكون كلّ الإجابات حتمًا لا، فنعم تعني إجراءات قد تمنعك من السّفر، في الطّابور أصابنا خوف مُفاجئ؛ فقد سأل الممرض الذي يقيس الحرارة شخصًا أمامنا: أأنت مريض؟ أجاب: لا. قال له: حرارتك مرتفعة؟ قف على اليمين، تناثر الكل من حوله فورًا، وتراجعنا إلى الخلف، ثمّ قاس حراراته من جديد وأركبه في الطّائرة، لا أخفيكم سرًا دعوت: يا ربِّ لا تجعله يكون بجانبي أو حولي في الطّائرة؟ وفكّرت: لو كان حولي ماذا سأفعل؟

هي ظروف استثنائيّة وعليك تحمّل كلّ هذه الظروف، فقد أعلن الكابتن تأخر الرّحلة بسبب تأخر خمسة مسافرين، وعلينا انتظارهم وهذا ما طلبته سفارة الممكلة في الرياض، بدأ الكل بالتّذمر وأنا منهم، إلا أنّي فكّرت في ظروفهم، وبأنّهم إن لم يسافروا اليوم فقد يكون سفرهم بعد أسابيع، فعلينا الانتظار.

وصل المسافرون وانطلقت الرّحلة رحلة الكمّامات، المضيفون والمضيفات يرتدون الملابس الواقية تماما كرجال الفضاء، لا تعرف المضيف من المضيفة إلا من خلال الصوت الناعم أو الخشن، لا وجبة في هذه الرّحلة، ولو قدمّوا لك الوجبة فإن أخذ قرار تناولها سيمون صعبًا، قضينا ساعتين في الجوّ وهبطت الطّائرة في أرض الوطن، الوطن المعافى قياسًا بالبلاد الّتي حوله، كما هناك كان هنا، كمّامات، قفازات، مجسّات، تباعد، أخذنا حقائبنا، ووصلنا إلى باب الخروج لا منتظر هنا أو هناك، وجوه أليفة، ممارسون صحيّون مبتسمون من خلف الكمامات، رجال أمن لطيفون، لا مُرحِّب بكَ غيرُهم، لا سيارة في انتظارك لتقلّك إلى البيت، لكنّك في وطنك في بيتك الكبير الآمن.

في الخارج حافلات ركبناها ثم ّ اقلّتنا في فاردة إلى أماكن الحجر الآمن، إلى فنادق عمّان، عمّان حيث تشعر بالأمان والاطمئنان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد