لقد أفرزت تيارات المد والجزر وتناقضاتها في هذه الحياة سلوكيات يمارسها الانسان بطريقة غير متوازنة جعلته يعيش في ضبابية وتصادم عنيف وصراع مع ذاته، الأمر الذي ولدّ سلوكيات سلبية لا ترتقي يمارسها البعض عن جهل من جهة أو عن قصد من جهة أخرى. ولنعترف هنا، أن مجتمعاتنا غزيت بممارسات خاطئة وسلوكيات لا ترتقي، ومفاهيم مقلوبة أخيط لها ثياب حسب الأهواء، وتمارس باسم فهم الحرية الخاطئ، ومنها فصل القول عن الفعل، الأمر الذي يشكل انفصاما وشيزوفرانيا في السلوك ينعكس تأثيره على المجتمع.
فنجد البعض نزقا في تصرفاته مستهترا بمحيطه يمارس الفظاظة والكلام الغليظ والسيء في الشارع ومكان العمل بأسلوب يشي بانهزامية النفس في عالم الضياع غير آبه بالبيئة التي يعيش فيها فيعكس صورة لا تليق بثقافة مجتمعنا وقيمنا الاصيلة والنبيلة. هذا البعض الذي يعيش واقعا كله تناقض ويمارس سلوكيات لا ترتقي يمتد تأثيرها على الفرد والأسرة والمجتمع دون مراعاة لمنظومتنا القيمية، بل واصبح انتقائيا في اختيار ما يروق له بتهور تبعا لأهوائه ومصالحه الضيقة ويمارس ذلك بفهمه الخاطئ للحرية.
ومن الممارسات الخاطئة التي أخذت طابعا في واقع حياتنا "حضارة المصانعة" والمبالغة في المظاهر على حساب الجوهر الحقيقي وبروز النمط الاستهلاكي على حساب الانتاج من قبل الفرد والأسرة والمؤسسة، ورغم هذه الحقيقة المرة التي أرهقتنا ما زلنا تحت سيطرة التفاخر الأجوف في أننا منتجون وفاعلون، ونمارس سياسة الترقيع وتغطية العيوب وتأجيل الحلول والتسويف دون ان نمتلك الجرأة والوضوح والصدق مع الذات. وهنا، علينا أن نعترف بأخطائنا وهذا هو قمة النضج والوعي، وننقد ذاتنا وهذه هي البداية الصحيحة، ونسلط الأضواء على مواطن الخلل أنّى وجدت بعين ناقدة ورؤية واضحة لتبقى مؤسسات وطننا قوية نظيفة في أبهى صورة واقعا وحقيقة.
ومن السلوكيات التي لا ترتقي حيث أصبحت المصالح الفردية الضيقة تتقدم على المصلحة العامة والقيم العليا، وأصبح مصطلح الأنا يعشعش في عقول البعض، ولا يحمل ضميرا مؤسسيا جمعيا، ناسيا الحقيقة ومنطق الحياة وناموس الكون أن التقدم لن يتحقق الا اذا انخرطنا مع المجموعة والعمل بروح الفريق الواحد تفانيا وانجازا، ولن يتم الا بتغليب الصالح العام على كل المطالب الضيقة التي لا تخدم أحدا.
ومن السلوكيات التي لا ترتقي "تبديد الوقت" خلال العمل الرسمي والواجب ظاهرة تستوجب أن يتوقف الانسان مع نفسه، حيث أن استثمار الوقت واداراته بفاعلية مهم جدا في حياة الفرد والمجتمع على حد سواء، وفي عكس ذلك قلة الانتاج والفوضى وكل أمر سلبي سيصبح مسيطرا على مؤسسات المجتمع في كل ميدان ومجال. فالوقت هو مادة الحياة واستثماره انتاجا وعملا هو مصدر هذه الحياة وهو الذي يدفعها كي تتقدم وتتطور في جميع مجالاتها العلمية والاجتماعية والاقتصادية وهو طريق النجاح في كافة مجالات الحياة.
وبعد، فماذا أعددنا لمشوار الحياة الشاق الصعب الذي لا يجتازه الاّ صاحب الارادة القوية التي لا تلين والايمان الذي لا يتزعزع مهما كانت الطريق شائكة وعرة؟، ولنعلم اننا في سباق مع الزمن ولنستفيد من اليوم الذي مضى ونحاسب انفسنا ونراجع اخطاءنا وسلوكياتنا، ونستثمر حاضرنا في العطاء المنتج وغرس بذور الخير في النفوس، ولتكن خطانا ثابتة مستفيدين من أخطاء وتجارب الماضي، ومستندين على أرضية صلبة قوية لمواجهة آفاق المستقبل. وليجلس كل واحد منا لحظات صدق مع نفسه، وبذلك نكون قد فهمنا رسالة الحياة وأن الوقت هو روح الحياة وجوهرها الحقيقي. وحمى الله أردننا وطن الكرامة وأرض العزم، ودام جلالة الملك سيدا وقائدا وحفظ الله سمو ولي العهد الأمين.
• كاتب وأكاديمي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية.
• عميد كلية الصيدلة في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا سابقا.
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا