ما أصعب فراق الأحبة من الصادقين والأوفياء الأنقياء في هذا الزمان الذي يقسو علينا؟ بدأ د. محمود الحموري مسيرته الأكاديمية منذ ما يزيد على خمسة وعشرين عاما أستاذا للكيمياء التحليلية في جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية، يغرس المفهوم العلمي بأمانة العالم العارف والمتواضع الصادق، كان يؤمن بعظمة الرسالة التي يحملها وهي تدريس النشء وإعداد الأجيال ليس بالوعاء المعرفي فحسب، ولكن بغرس المفهوم الشمولي للحياة ثقافة وفكرا وسلوكا ايجابيا بحداثة العصر وأصالة الماضي والتاريخ.
وعلى الصعيد الشخصي، فقد كان زاهدا وراضيا ومنسجما مع ذاته قولا وعملا، طيب المعشر والابتسامة لا تفارق محيّاه، يجمع ولا يفرق، يكره الكذب والنفاق وزمن الرويبضة، ’يسمّي الأمور بمسمياتها بسجيته الريفية الصادقة التي لا تعرف الخداع والكراهية، وكان أكثر ما يزعجه عمى الألوان والضبابية التي تشتت نبل الهدف والمقصد، إضافة إلى حضوره الاجتماعي مشاركا الناس في مناسباتهم بصفاء سريرته ونقاء معدنه، محبا لأصدقائه، محبا لوطنه ويعشق الجيش والعسكر، وكثيرا ما كان يتحدث عن جيرانه في حي نادي الضباط في مدينة اربد بشغف وفاء لهم وتقديرا للمحاربين القدامى الذين ساهموا بشرف وكبرياء في حماية الوطن والدفاع عنه بكل اخلاص وتفان.
لقد أستطاع رحمه الله بسعة أفقه وثقافته أن يتجاوز كيمياء المعرفة والتخصص التي عشقها تدريسا وبحثا إلى كيمياء الحياة الأوسع رحابة، فهو المزارع الذي يتقن المعرفة العميقة في الزراعة عندما يتعلق الموضوع بالزراعة والارض، وهو الاقتصادي الذي يمتلك فكرا اقتصاديا ناضجا عندما يتعلق الحديث بالشأن الاقتصادي، وهو المحاور الموسوعي في المحاضرات والندوات التي كان يقدمها أو يديرها في قاعات المنتديات الثقافية والفكرية، وهو الدبلوماسي الذي يشع ألقا وصدقا في كل طروحاته الفكرية والثقافية تجاه طلبته وزملائه ووطنه، ينصح بمعرفة ويوجه بإخلاص ويحترم الآخر بأسلوب راق يعكس سمة الانسان المتطور بعقله وفكره، فحظي بمحبة واحترام كل من عرفه زميلا أو كاتبا ينشر عبق الكلمات ويزرع بذور الخير والمحبة في النفوس والتفاؤل بالمستقبل.
قارئ جيد ومطلع ومتابع وكتب الكثير من المقالات بقلم مداده الصدق والعفوية، وجمع بين البراءة والعمق من جهة، وبين السهل الممتنع ووضوح الفكرة من جهة ثانية ينشد سبر أغوار بحر القراءة المتأنية الهادفة لتصل الى المتلقي بكل سلاسة وقبول....كتب عن ترسيخ ثقافة العمل والانتاج بدلا من ثقافة الاستهلاك والتواكل. وكتب بصلابة وقوة متسلحا بثقافة الحق والعدل دفاعا عن وطنه الذي أحب تجاه من يحاول أن يسيء للأردن تلميحا أو تصريحا من أبواق الأعداء، وكتب للأرض والانسان، وآمن بأن بناء الأنسان معرفة وعلما وسلوكا سويّا مستقيما محور هام للنهضة والتطور في كل مسارات التنمية.
أخي أبا عمرو الغائب الحاضر...هذا غيض من فيض ولقد آلمنا رحيلك وانا على فراقك لمحزونون، ولكن هي ارادة الله تعالى أن يختارك الى جواره راضيا مرضيا بعد أن تركت أثرا طيبا وعلما ينتفع به وعملا صالحا يشهد به كل من عرفك، فأنعم أيها الحبيب في رحاب الله الأوسع من رحابنا ونسأل الله تعالى لك شآبيب الرحمة والمغفرة، ولأهلك وذويك واخوانك، ولأخي وصديقي د. سهل الحموري ولكل محبيك حسن العزاء، ولا حول ولا قوة الا بالله وانا لله وانا اليه راجعون.
• كاتب واستاذ جامعي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية.
• عميد كلية الصيدلة في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا الاردنية سابقا.
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا.