بدأت مرحلة تأسيس الخدمات الطبية خلال الفترة (1941-1962) حيث ضمّت في عام 1941 طبيبا واحدا وآلية واحدة وتم تعيين أول مدير للخدمات الطبية في عام 1948 وهو الطبيب سليمان النجار، وكانت تمثل وحدة صحية بسيطة واقتصر دورها خلال تلك الفترة على تقديم الرعاية الطبية والوقاية الصحية لمنتسبي القوات المسلحة فقط. وفي عام 1948 تم في تخصيص عنبر للجراحة وآخر للأمراض الباطنية وغرفة عمليات بسيطة، بالإضافة إلى مختبر وجهاز أشعة واحد في منطقة ماركا، وكانت هذه الخطوة نواة لتشييد المستشفى الرئيسي العسكري فيما بعد.
واستمر بناء الوحدات الطبية ومنها وحدات الاسعاف الميداني خلال الفترة 1950 الى 1967 ومن ثم انشاء المستودعات الطبية عام 1961 وتأسيس كلية الاميرة منى للتمريض عام 1962، والكتائب الطبية عام 1967ـ ورافق ذلك خلال تلك الفترة تشكيل مركز الخدمات الطبية عام 1960 الذي تطور الى مدرسة الخدمات الطبية عام 1988 والى كلية الخدمات الطبية عام 1992 .
واستمرت الخدمات الطبية الملكية في تطورها وخصوصا مدينة الحسين الطبية في عهد جلالة الملك الباني المغفور له باذن الله حسيننا العظيم حيث ارتبط اسم مدينة الحسين الطبية في وجدان وعقول الاردنيين كافة ثقة كبيرة بهذا الصرح الطبي فيما وصل اليه من تقدم طبي عالي المستوى، وتشمل مدينة الحسين الطبية عدة مرافق تابعة لها مثل مستشفى الحسين الذي أسس عام 1973، ومركز التأهيل الملكي الذي أسس عام 1983، ومستشفى الملكة علياء العسكري الذي أنشيء عام 1983، ومركز الأمير حسين لجراحة المسالك البولية وزرع الأعضاء الذي تأسس عام 2000، ومركز الأميرة ايمان للأبحاث والعلوم المخبرية الذي تأسس عام 2000. ومستشفى الملكة رانيا للأطفال الذي تأسس عام 2011، وغيرها من الدوائر الطبية والصيدلانية والتمريضية التي تقدم الخدمات العلاجية والجراحية في كافة التخصصات، بل وأصبحت مدينة الحسين الطبية مركزا طبيا على مستوى الإقليم، وارتبط باتفاقيات تعاون وقنوات تواصل تخدم المنظومة الطبية الشاملة مع مراكز طبية ومستشفيات عالمية مثل مايو كلينك وغيرها.
ولم يقتصر هذا التطور الطبي على مدينة الحسين الطبية التي تعتبر المركز الرئيس للخدمات الطبية الملكية، بل رافق ذلك وجود عدة مستشفيات تشمل اضافة الى المدينة الطبية مستشفى الملكة علياء في عمّان، ومستشفى الأمير هاشم بن الحسين في الزرقاء، ومستشفى الامير راشد بن الحسن في ايدون/اربد، ومستشفى الأمير علي بن الحسين في الكرك، ومستشفى الأمير زيد بن الحسين العسكري في الطفيلة، ومستشفى الأمير هاشم بن عبد الله الثاني في العقبة الذي افتتحه جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله بتاريخ 1/9/2013، ومستشفى الملك طلال في المفرق الذي افتتحه جلالة الملك ايضا بتاريخ 1/8/2016 ويتسع ل 150 سريرا، ومستشفى الأميرة هيا بنت الحسين في عجلون الذي افتتحه جلالة الملك بتاريخ 20/10/2016 ويتسع ل 150 سريرا، والبدء في تنفيذ مستشفى معان العسكري بكلفة تقدر ب 5و37 مليون دينارا بسعة 150 سريرا،. وهناك خطة استراتيجية وطموحة للخدمات الطبية الملكية لتوسيع دائرة الخدمات الطبية والعلاجية والتوسعة وزيادة عدد الاسرة كما حصل في مستشفى الملكة عليا العسكري حيث تم رفع طاقته الاستيعابية من 237 سريرا الى 405 سريرا بعد التوسعة التي افتتحها جلالة الملك بتاريخ 4/2/2019. اضافة الى وجود مراكز صحية شاملة تابعة لها منتشرة في جميع مناطق المملكة كمركز طبي مأدبا العسكري الشامل الذي بدأ باستقبال المرضى بتاريخ 14/6/2014.
وبعد، هذه الانجازات الطبية التراكمية، فإن هذه المؤسسة العريقة هي موقع اعتزاز وفخر لكافة الاردنيين هي بحاجة الى المزيد من الدعم المالي له، وان تكون على قائمة أولى الأولويات دعما ماليا ولوجستياـ لتستمر من القيام بواجبها تجاه محور هام جدا هو الرعاية الصحية والخدمات الطبية والعلاجية التي تقدم لمنتسبي القوات المسلحة والمتقاعدين، والمواطنين المدنيين كذلك من داخل المملكة، وللمواطنين من خارج الاردن الذين يراجعون مدينة الحسين الطبية على وجه الخصوص بما تتمتع به من سمعة طبية عالية على مستوى الاقليم.
الذي دفعني للكتابة هو تصريح عطوفة اللواء الطبيب شوكت التميمي مدير الخدمات الطبية الملكية يوم الاربعاء بتاريخ 8/1/2020 حيث أشار الى الديون المتراكمة والمستحقة على هذا الصرح الطبي التي تصل الى نحو 376 مليون دينار، رغم المسؤولية الملقاة على عاتق هذه المؤسسة في تقديم رعاية صحية متميزة ل 38% من المواطنين.
ان هذا الصرح الطبي المتميز يشكل ذراعا أساسيا لمنظومة الصحة المتكاملة في بلدنا كما تعتبر حصنا منيعا ودرعا واقيا لصحة المواطن الاردني الامر الذي يشكّل دعمه امرا من أولى الاولويات ليتابع مشواره المتميز في تقديم الخدمة والرعاية الطبية والعلاجية والصيدلانية والتمريضية المثلى والتوسع في انشاء المستشفيات التابعة لهذه المؤسسة العريقة نظرا لتزايد عدد سكان المملكة من جهة، وثقة المنطقة بهذا الصرح المتميز من جهة ثانية وللحفاظ على هذا المنجز الذي هو مصدر فخر واعتزاز لنا جميعا من جهة ثالثة.
نعم، هذه المؤسسة العريقة بحاجة الى وضع احتياجاتها ومتطلباتها على قائمة الاولويات للتمكن من تنفيذ استراتيجيتها ورؤيتها حاضرا ومستقبلا، لأن رصد مبلغ 207 مليون دينار كموازنة للخدمات الطبية الملكية لهذا العام تدفع منها 210 مليون رواتب لموظفيها البالغ عددهم 25000 موظفا لا يرتق الى مستوى الاحتياجات الحقيقية التي تقدم الخدمة سنويا لا يقارب 6,5 مليون مريض في كافة مناطق المملكة، وهذا يعني أن موازنة الخدمات لا تكفي للرواتب، ناهيك عن النفقات الجارية من مستلزمات طبية وأدوية وصيانة وإعادة تأهيل البنية التحتية لمستشفى الأمير هاشم بن الحسين في الزرقاء ومستشفى الأمير راشد العسكري في اربد، وموقع الاسعاف والطوارئ ومركز طبي ماركا العسكري في عمان، وإلى آخر ما صرح به عطوفة مدير الخدمات الطبية الملكية الذي وضع النقاط فوق الحروف بجرأة أدبية وتسمية الأمور بمسمياتها بوضوح وشفافية جاءت من قبيل الحرص للمحافظة على مستوى تقديم الخدمة الطبية والعلاجية بما يليق بسمعة هذا الصرح الطبي، الامر الذي يستدعي تسديد العجز المالي المترتب عن هذ المؤسسة العريقة الذي وصل إلى 183 مليون دينار في بند الرواتب، و148 مليون دينار كديون مستحقة في بند العلاج والدواء والمستهلكات الطبية، وغيرها من المبالغ المستحقة كبند الملابس وقيمتها 39 مليون دينار وديون المياه والكهرباء وقيمتها 5 ملايين دينار.
نعم، للاستمرار في تقديم أفضل الخدمات في هذه المؤسسة العريقة، سيمّا وأن الأمر يتعلق بمحور حيوي وهام يطال حياة الناس وصحتهم. والف تحية لعطوفة مدير الخدمات الطبية الملكية الذي أشار الى ذلك بأمانة المسؤولية لتبقى صورة الخدمات الطبية الأنصع بياضا في نفوس الأردنيين كافة، وألف تحية لنشامى ونشميات هذا الصرح الطبي المتميّز والذي سيبقى متميزا بعون الله الذي يوليه جلالة سيدنا كل اهتمام حيث يتابع جلالته بنفسه من خلال زيارته المتكررة للمستشفيات وافتتاح مرافقها، وبجهود المخلصين الذين يحرصون تمام الحرص قولا وعملا أن يبقى كذلك يواكب كل تطّور وجديد في مجال الخدمة الصحية والعلاجية والتعليم الطبي المستمر بحثا وممارسة وتطبيقا. والله من وراء القصد.
• كاتب واستاذ جامعي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية
• عميد كلية الصيدلة سابقا غي جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا الاردنية
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا.