خلق الله الناس أجمعين من نفسٍ واحدة وهي نفس آدم عليه السلام وبعد ذلك خلق له زوجه من نفسه ومن ثم سن الله سنة الزواج بينهما للتكاثر (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(النساء: 1))، (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖفَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (الأعراف: 189)). وبعد ذلك جعل الله الناس شعوباً وقبائل مختلفة في نفس القارة وفي القارات المختلفة في العالم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(الحجرات: 13)). وللتقارب بين الشعوب المختلفة أرسل الله الرسل والأنبياء لهداية الناس لخالق هذا الكون ومديره ومدبره ولإتباع أوامره وإجتناب نواهيه (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (المؤمنون: 44))، وكانت الرسل ترسل بلغات أممهم وذلك لإختلاف الألسن والألوان بين البشر (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ(الروم: 22)). وآخر نبي أرسل للناس كافة كان محمدا عليه الصلاة والسلام وبلغة قومه وهي اللغة العربية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(سبأ: 28)).
فمما تقدم نستطيع أن نستخلص العوامل التي تساعد على تقارب الثقافات بين الناس أجمعين وهي أولاً: أن يكون الناس تابعين لرسالات أو ديانات سماوية مثل الرسالة/الديانة اليهودية أوالرسالة/الديانة المسيحية. لأن الإيمان بالله وبرسله وكتبه هي الأساس القوي والمتين في تقارب الثقافات المختلفة بين الناس. ثانيا: العقل النيِّر لأن العقل هو الذي يجعل الإنسان يفكر في كل ما حوله ويعقل الصح من الخطأ ويتعلم ويقوم بأعماله اليومية بشكل طبيعي ومنتج. ثالثاً: التعلم والعلم، لأن الإنسان إذا كان متعلماً ويقرأ ويكتب يستطيع أن يقرأ ويطلع بنفسه على ما عند الآخرين من الأمم من عادات وتقاليد وإنجازات ويستطيع ان يكتب ويرسل رسائل لغيره ... إلخ. ورابعاً: اللغة، فتعلم اللغة العالمية التي هي الأوسع إستخداماً في العالم كاللغة الإنجليزية تساعد كثيراً على التفاهم بين أصحاب اللغات المختلفة. وخامساً: المحبة، أن يحب الإنسان أخوه الإنسان على إختلاف لونه وعرقه ولغته لأننا نعلم جميعاً وجيداً أن الناس جميعاً من أب واحد وأم واحده سيدنا آدم وزوجه وأن الله فضلنا على كثيرٍ من خلقه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(الإسراء: 70)).
فكل ما ذكرنا من عوامل تساعد كثيراً في التقارب بين الثقافات المختلفة في العالم، بين أهل أوروبا وأمريكا وبين أهل أستراليا وكندا وبين أهل آسيا وأفريقيا ... إلخ. فنجد أن شخص عربي من آسيا يدرس في أمريكا يتعرف على فتاة أمريكية ويتزوجها أو من فتاه باكستانية أو هندية أو روسية أو أوكرانيا. وفي المقابل شابة من فرنسا أو أي دولة اوروبيه تتزوج من شاب أمريكي أو بريطاني والعكس صحيح. فكثيراً من الناس لا يتقبلون هذا الأمر لوجود إختلافات في الدين، وفي العادات والتقاليد والتربية ... إلخ. ولكن نتساءل كيف لنا أن نتعرف على من خلق الله من عباده في مختلف مناطق الأرض؟ وكيف يتم التكاثر بشكل صحي بين الأمم؟، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: باعدوا النسب لا تضوو. ولنعلم جيداً أن الخلافات تحصل بين الناس حتى لو كانوا من نفس العائلة أو العشيرة أو القبيلة. فعلينا الإنفتاح على بقية دول العالم بكل الطرق المتاحة حتى ننشر ديننا وعاداتنا وتقاليدنا وتعاليم ديننا ... إلخ التي تميزنا عن غيرنا من الأمم نحن أصحاب الديانات السماوية وبالخصوص أصحاب الديانة الإسلامية. وما نلاحظه الآن أننا عندما إختلطنا مع شعوب دول العالم إنتشر ديننا من جديد بشكل كبير بين الأمم المختلفة والكثير من أفراد تلك الأمم إعتنقوا الدين الإسلامي عن قناعة ورغية وليس بالإكراه (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 256)).