خلق الله مخلوقاته متفاوتين في المواصفات الخُلُقِيَةِ والْخَلْقِيَةِ والقدرات، فخلق الملائكة من نور وليسوا ذكوراً ولا إناثاً ولا يتكاثرون. وخلق الجن من مارجٍ من نار ذكوراً وإناثاً ويتكاثرون، كما خلق الإنسان (سيدنا آدم عليه السلام) من طين وجعل نسله من ماءِ مهين بعد أن خلق له زوجه من نفسه (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (السجدة: 7 و 8)). ورزق الله لكل نوع من مخلوقات معرفة وعلماً محددين لا يتعداهما وقد تم توضيح ذلك لنا عندما علَّم آدم عليه السلام الأسماء كلها ولم يعلمها للملائكة. وعندما عرض الأسماء على آدم والملائكة وقال للملائكة أنبئوني بأسماء هؤلاء، فكان جوابهم بالتسبيح له أولا وبقولهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (البقرة: 31 و 32)).
هناك كثيراً من الناس عندما يصل لمرحلة معينة من العلم أو يحصل على درجة معينة من الشهادات العلمية أو غيرها، تأخذه العزة بالإثم إذا سئل سؤالاً في مجال علمه أن يقول لا أعلم، أو يقول دعوني أبحث لأعطيكم الإجابة الصحيحة والدقيقة. فيجيب إجابة ربما تكون مائة في المائة أو نسبة كبيرة منها أو حتى نسبة معينة منها خاطئة. وبذلك يكون قد فتى بما لا علم له فيه تماماً. وهنا تبدأ مصيبة الذين يدَّعون العلم والمعرفة في كل شيء بتراكم أخطائهم ونشرها بين الناس، وهنا يكون فعلهم كمن يضع السم في الدسم. فيجب على كل واحد منَّا أن يعلم أن هناك من أعلم منه في مجال علمه، فعليه أن ينشد الحقيقة من أهلها ولا يتسرع في الإجابة عن أي سؤال في أي موضوع لا علم كاف له فيه (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف: 76))، (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (طه: 114))، فمثلاً هناك طبيب عام وهناك أطباء إختصاص في كل عضو من أعضاء الإنسان ... إلخ.
والأدهى والأمر على أمتنا إذا تولى شخصٌ ما مسؤولية دولة أو مسؤولية مؤسسة عامة أو خاصة وأخذ يفتي في كل أمور مسؤولياته سواءاً في مجال علمه وتخصصه وخبرته أم لا، فنادراً ما يجني لمؤسسته من فتواه الخير. وكثيراً من إتخاذ قرارات خاطئة من رأس الهرم في أي مؤسسة تؤدي إلى فشل المؤسسة وبالتالي إلى إنهيارها مادياً وإقتصادياً. وهناك للأسف الشديد أن بعض زعماء الدول في العالم الإسلامي والعربي وبعض الدول الأجنبية الذين إتخذوا قرارات سياسية خاطئة في بلادهم غير مدروسة وعلى غير علم بما يدور حولهم في دول الإقليم أو العالم، عادت قراراتهم تلك على دولهم في الدمار من جميع النواحي. فكان من الأجدر بهم أن يأخذوا النصيحة والعلم في مجال السياسة الإقليمية والعالمية ممن لديهم الخبرة الطويلة في ذلك. ونحن في الأردن حبانا الله في قيادة هاشمية تتصف في العلم والذكاء والفطنة والخبرة الدبلوماسية المتميزة على مستوى الإقليم والعالم ولم يستفاد منها من قبل زعماء الدول الإسلامية والعربية والخليجية في كثير من القضايا التي مروا بها. فرحم الله المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال على ما كان يتصف به من الحنكة والخبرة والدبلوماسية السياسية التي إعترف له بها جميع رؤساء الدول الأجنبية وإستفادوا منها. ووفق الله جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين الذي يسير على نهج والده في إسداء المشورة والنصيحة في جميع المحافل الدولية. وتكمن الخطورة العظمى في الإجابات الخاطئة للطلبة من قبل المعلمين والمعلمات على كل المستويات سواء أكان في الروضه او في أي مرحلة من مراحل التعليم الإبتدائية، الإعدادية، الثانوية وحتى على المستوى الجامعي. فلهذا فعلينا الإهتمام في صحة المعلومة التي تعطى للغير من قبل من يسأل عنها ولا يخجل من قول لا أعلم حتى لا يضل أحداً.