خلق الله الإنسان من جسد وروح ونفس، والنفوس ثلاثة أنواع نفس أمارة في السوء (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (يوسف: 53)). ونفس لوَّامة ( وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (القيامة: 2)، ونفس مطمئنة ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (الفجر: 27)). والكثير من نفوس البشر هي من نوع النفس الأمارة بالسوء وقليل من البشر نفوسهم لوَّامة والقليل القليل منهم نفوسهم مطمئنة. وكثير من الناس يستغرب ويتساءل: لماذا الكثير من بني آدم سيئين والطيبون قليلون؟ فنقول لهم طلب الله منا جميعاً أن نتدبر القرأن الكريم (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (النساء: 82)). وقد أكد لنا أن كثيراً من الناس خُلِقُوا ليكونوا حطباً ووقوداً لجهنم (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (الأعراف: 179)). والبعض يتساءل ألا نستطيع أن نصلح من أولئك الناس السيئون عن طريق الكلام والإرشاد والتوجيه فيجيب الله في القرآن على هذا التساؤل ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (الفرقان: 44)). والسؤال كيف يجب التعامل معهم؟
علينا مراقبة تصرفات معظم من حولنا من البشر عن بعد، ومن ثم محاولة فهم مايدور في أفكارهم وكيف يفكرون في الحياة ونحاول قدر الإمكان معرفة نوعية نفوسهم. وبالتالي إذا ثبت لنا أنهم من النفوس الشريرة والأمارة بالسوء نأخذ حذرنا الشديد منهم حتى لا نقع في شرور نفوسهم بطريقة أو أخرى. فأصحاب النفوس الأمارة بالسوء كما ذكرنا خُلِقُوا لجهنم لأنهم لا يخافون الله في تصرفاتهم وغير مكترثين بيوم الحساب وربما لا يعترفون بأن هناك جنة ونار. همهم الوحيد هو إشباع رغباتهم المختلفة في الدنيا غير آبهين بما سيحدث فيما بعد. والغريب في أمر بعضهم أن لديهم أساليب الخداع المختلفة لغيرهم من أصحاب النفوس اللوامة أو المطمئنة. فتسمع أحاديث بعضهم في لقاءاتهم وفي تنظيرهم على المواطنين على المحطات التلفزيونية والفضائية عن الأمانة والصدق والإخلاص والوفاء والإنتماء للقيادة والوطن والشعب ... إلخ وتقول عنهم هؤلاء صالحين ما شاء الله. ومن أساليب خداعهم أنهم يتكلمون عن غيرهم من أصحاب النفوس الأمارة بالسوء (الذين سرقوا أموال الدولة وباعوا مقدرات الوطن ونهبوا ممتلكاته ... إلخ). وبعد فترة تكتشف أن هؤلاء الصالحين تبين أنهم أدهى وأمر ممن كانوا يتكلمون عنهم وتم تحويلهم إلى دائرة النزاهة ومكافحة الفساد وصدر بحقهم مذكرات إعتقال وسجن. وهنا يَصْدُقَ القول في كل واحد منهم: اللي بتقول عنه موسى بطلع فرعون.
كان الله بعون جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم على من حوله من هذه النوعيات الذين منحهم الثقة ولم يحافظوا عليها. وكان الله بعون الشعب المكافح الذي إنتخبهم وأعطاهم الثقة ولم يبادلوه نفس الإحساس والشعور. فماذا نفعل؟ وإلى أين ستؤول أمورنا؟ ومثل هؤلاء في المسؤولية وفي مكان إتخاذ القرار؟. لا نستطيع إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم وفي أمثالهم أجمعين. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (الشعراء: 227)).