نزلت الديانة الإسلامية على سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بعد الرسالتين السماويتين رسالة بني إسرائيل لليهود عن طريق نبيهم موسى عليه السلام والرسالة المسيحية للنصارى عن طريق نبيهم عيسى عليه السلام. وجاء الإسلام مؤمناً بالله ومعترفاً بملائكته وكتبه ورسله وبالرسالتين السابقتين اليهودية والمسيحية وكذلك بجميع المرسلين والأنبياء السابقين وبكل الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء والمرسلين الذين سبقوا نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة: 285)). وكان الإسلام آخر ديانة سماوية نزلت من السماء ونبي الإسلام والمسلمين خاتم الأنبياء والمرسلين حيث لم تُنَزَّل أي رسالة سماوية بعد الإسلام ولم يُبْعَث أي نبي بعده. وقد أمر الله نبي الإسلام والمسلمين ان يؤمنوا با... (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (البقرة: 3 و4)). فهل هناك أكثر وضوحاً مما جاء في هذه الآية من مبادئ وأسس للإسلام والمسلمين؟. وجاء القرآن الكريم سارداً لأحداث الماضي والحاضر والمستقبل بكل تفاصيله ويصلح لكل زمان ومكان وفيه إجابة لكل تساؤل يخطر على بال احد من خلق الله. وقد أنصف الإسلام كل أتباع الرسالات السماوية السابقين ولم يجبرهم على ترك يهوديتهم أو مسيحيتهم وكان واضحاً وجلياً ذلك في الآية (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم (البقرة:256)).
وقد سمى الله في القرآن الكريم كل من سبق من أصحاب الرسالتين السماويتين السابقتين بأهل الكتاب، وأوصى كثيراً بهم ووضح لنا كيف نعاملهم ونقول لهم (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (العنكبوت: 46)). مُعْلِماً المسلمين أن أهل الكتاب لن يرضوا عنَّا حتى نتبع ملتهم (وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ(البقرة: 120)) وهذا شيء طبيعي أن يُحِبَ كل أصحاب رسالة أن يكون أتباعهم أكثر الناس. وقد أخبرنا الله في كتابه العزيز أن أهل الكتاب إختلفوا من فرقه إلى أخرى في الرسالة الواحدة وفيما بينهم وكل فرقة تحب أن يكون أتباعها أكثر الناس وهذا ما شعرنا به في أمريكا حيث كان كل أصحاب كنيسة يحبون أن يجمعوا معهم أكبر ما يستطيعون من أتباع لهم ولكن الله أخبرنا أن هذا الأمر مستحيل (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (البقرة: 145)). وقال الله أيضاً (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(البقرة: 113)).
وقد أنصف الإسلام والقرآن الكريم أهل الكتاب كثيراً وأعطاهم حقهم في العبادة ولم يكرههم على ترك دينهم وإتباع الإسلام إلا بمحض رغبتهم الشخصية. وكان ذلك واضحاً وجلياً في العهدة العمرية التي كتبها سيدنا عمر رضي الله عنه للنصارى عندما فتح القدس، ورفض أن يصلي في كنيسة القيامة حتى لا يعتبرها المسلمون مكاناً لهم ويمتلكوها محافظة منه على أهم مكان عبادة لإخواننا المسيحيين. فلماذا يعادى ويحارب الإسلام والمسلمين من قبل بعض أصحاب الرسالات السماوية بهذه القَسْوَة، ويطالب بعض رؤساء الدول العظمى بالقضاء والتخلص من الإسلام والمسلمين. هل طالب زعماء المسلمين السابقين واللاحقين بالقضاء والتخلص من أصحاب الرسالات السماوية السابقة؟ وأهل الكتاب؟ بالطبع لا، والتاريخ يثبت ذلك. نبحث عن الأسباب الحقيقية التي دعت أولئك لمحاربة والمطالبة بالتخلص والقضاء على الإسلام والمسلمين. وقد قام الملك المعظم وسمو الأمير الحسن بتولي موضوع التقارب بين الأديان وحاضرا في أكثر من مؤتمر بهذا الخصوص داخل الأردن وخارجه لحل أي خلاف أو سوء فهم تم من قبل بعض المسلمين الذين يفتون بأمور الدين وهم ليسوا أهلاً لها أولاً. وثانياً: لتوضيح وإزالة أي تشويه لَحِقَ بالإسلام والمسلمين من قبل أعدائهم. وثالثاً: لتوضيح أي أمر غامض لدى أهل الكتاب وغيرهم عن الإسلام والمسلمين. وأما بالنسبة للآية (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران: 85)). فالمقصود فيها من بُلِّغوا بالإسلام ووضح لهم بعد نزوله إن إبتغوا غيره فلن يقبل منهم ... إلخ وليس إجبار أهل الكتاب على إعتناق الإسلام بالقوه فترك لهم الخيار (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (الحج: 17)).