يجب على جميع خلق الله من بني آدم أن يعلموا أن الله خلقهم وتكفل في رزقهم وجعل أعمارهم أقدارهم وأرزاقهم بيديه وليس بأيدي عباده وجعل الرزق في السماء وليس في الأرض حتى لا يتحكم عبد برزق عبد آخر(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (الذاريات: 22 و 23)). وفي الأية رقم 23 أقسم الله قسماً عظيماً حتى يؤمنوا عباده حق الإيمان بما جاء في هاتين الآيتين وقال مثل ما أنكم تنطقون ولم يقل تسمعون أو ترون لأن النطق لا يتصلح أبداً لو إجتمع جميع أطباء العالم. ومع ذلك أغلب الناس غير راضين بما قسم الله لهم من رزق ويتطلعون لغيرهم ممن هم أفضل منهم متناسيين أن ميزان الله حساس ودقيق جداً في توزيع رزقه على عباده فإن أعطى غيرك المال الكثير يكون قد أخذ منه في المقابل أمور أخرى مثل الصحة وعدم الإنجاب والوسامة وجمال الخِلْقَةِ مثلاً ... إلخ من منغصات الحياة التي أعطاها لك.
فأول مشكلة يعاني منها البشر في جميع بقاع العالم هي أولاً: عدم القناعة بما قسم الله لهم من أرزاق والطمع والجشع فيما عند غيرهم وهذه أساس المشاكل التي يواجهونها في حياتهم من عدم الرضى على أوضاع حياتهم المعيشية وتنعكس على جميع أفراد أسرهم من كل نواحي الحياة. وثانياً: عدم إدارة ما رزقهم الله من مواصفات خُلْقِيَةٍ وَخَلْقِيَةِ وموارد وثروات (حسن الخلق والوسامة وجمال الخِلْقَةِ والصحة والقوة والإنجاب ... إلخ كلها ثروات يفقدها كثيراً من الناس) إدارة صحيحة وذلك لإنشغالهم بحالة عدم الرضى التي ذكرناها في أولاً. فعلى كل إنسان أن يجلس مع نفسه ساعة صفاء وهدوء ويعد ما أعطاه الله من ثروات وموارد ويقارن نفسه مع من فقدها ممن حوله ويحمد الله ويشكره ويطلب من الله أن يوفقه في حسن إدارتها وسيكون بالتالي من أسعد الناس في حياته. لأن السعادة في الحياة هي هدف كل إنسان في العالم فليتعلم كل إنسان كيف يحصل عليها بحسن إدارة ما رزقه الله من ثروات وموارد.
وأما بالنسبة لموارد وثروات البلاد موجودة والحمد لله وكل بلد من البلدان في العالم رزقها الله الموارد والثروات التي تناسبها وتناسب مسؤوليات شعبها. ولكن أهم شيء أن يتم تولية على شعوب تلك البلدان من لديهم القناعة بذلك أولاً ومن ثم لديهم العقول النيِّرة ألتي تعرف حق المعرفة كيف تدير موارد وثروات البلاد إدارة جيدة جداً إذا لم تكن ممتازة وتعود على البلاد وشعوبها بالخيرات من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى. ولكن المأساة أنه عندما يتدخل عامل الواسطة من حيث الشللية والحزبية والأندية ومجموعة فلان وعلان وزعيط ونطاط الحيط ... إلخ في تعيين مسؤولين ممن لا يحسنوا إدارة موارد وثروات البلاد، ولا يحسنوا حتى إدارة أمور أنفسهم أو عائلاتهم فتكون المصيبة لهم وللوطن والشعب. فنتساءل متى سنصل إلى مرحلة الإخلاص والولاء والإنتماء ... إلخ الحقيقية مع أنفسنا أولاً قبل الآخرين حتى نولي علينا خيارنا وليس شرارنا؟. قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ(الشورى: 30))، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم: 41)).
يوجد عدم قناعة عند كثير من الناس بما رزقهم الله، وجشع وطمع وعدم مخافة الله في ما تولوا من مسؤوليات، فإعتدوا على المال العام محللين ذلك عليهم وهو حرام 100%. وعقولهم مقفلة عن إدارة ما رزقهم الله من موارد وثروات كما أسلفنا ودائماً وأبداً يعزون سوء أوضاعهم الإقتصادية على غيرهم وعلى الدولة. نعم ربما الدولة عليها بعض المسؤولية في متابعة أوضاع مواطنيها الإقتصادية وتحسينها بشكل يتناسب مع غلاء المعيشة. ولكن يجب علينا أن لا نضع كامل المسؤولية على الدولة ونحاول حل مشاكلنا بإدارة مواردنا وثرواتنا الشخصية بشكل جيد على الأقل أولاً ومن ثم نطالب الدولة بمسؤولياتها نحونا. قال تعالى (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام: 44 و 45)). فهاتين الآيتين تجسدا تماماً ما حصل مع كثيراً مع مسؤولي الدول الإسلامية والعربية في الشرق الأوسط والإقليم والعالم. فنسأل الله لجميع المسؤولين في العالم الإسلامي والعربي السداد والصلاح حتى يرضى الله عنا جميعاً وينفذ الله وعده لعباده المؤمنين (عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا(الإسراء: 8)). علماً أن هناك القليل القليل من الوزراء الذين استلموا وزارات في بلدنا الأردن أعادوا لخزينة الدولة من ميزانية وزارتهم مئات الألوف التي زادت عن حاجات وزاراتهم، ولو بقية الوزراء والمسؤولين حذوا حذوهم لما وصلنا إلى ما نحن فيه من عجز مالي.