هل تستشعر الحيوانات الزلازل قبل وقوعها ؟ - م. محمد فندي

mainThumb

25-09-2019 10:57 AM

غالبا ما نسمع بعد حدوث الزلازل الكبيرة عن قصص وحكايات تدور حول سلوك غير عادي للحيوانات بشكل عام بما في ذلك الزواحف والأسماك، إلا انه وحتى هذه اللحظة لا يوجد هناك ما يربط بين هاذا الإعتقاد وحدوث الزلازل علميا. معظم العلماء وليس جلهم اللذين يتابعون هاذا اللغز ويبحثون فيه هم اما صينيون او يابانيون مع عدم اهتمام المختصين في اماكن اخري من العالم بهذا الأمر.اولى التقارير الواردة حول السلوك الغير عادي للحيوانات جائت من اليونان في عام 373 قبل الميلاد. هاذا التقرير يتحدث عن سلوك غير عادي للحيوانات بما في ذلكالحيوانات الزاحفة بخروجها من مخابئها خلال فترات تتراوح من اسابيع الى بضع ثواني قبل وقوع الزلزال المحسوس او المدمر.
 
من السهل علينا تبرير اسباب السلوك الغير عادي للحيوانات بثواني معدودة تسبق احساس الانسان بالزلزال. القليل من الناس تشعر بالأمواج الطولية (P-Waves) السريعة حيث تتذبذب سرعتة انتشارها من 1.73 الى 8 اضعاف سرعة انتشار الأمواج المستعرضة تبعا لظروف الوسط الجيولوجي الناقل. بالمقارنة مع الأمواج الزلزالية المستعرضة، هذه الأمواجالطولية القادمة من بؤرة الزلزال تمتاز بزمن موجي قليل (Period) وسعة موجية خفيفة (Amplitude)حيث تصل قبل وصول الأمواج المستعرضة (S-Waves)وهاته تمتاز بزمن موجي وسعة موجية اكبر إضافة إلى هتزازات أشد. الأمواج الأشد خطورة من بين الأمواج الزلزالية هي الأمواج السطحية التي تصل مـتأخرة عن الأمواج المستعرضة تبعا لسرعتها التي تعادل تقريبا 0.9 من سرعة الأمواج المستعرضة وهذه تقع على عاتقها مسؤلية غالبية الدمار الناجم عن الزلازل الكبيرة. العديد من الحيوانات والقليل من البشر يشعرون بوصول الأمواج الطولية سالفة الذكر اليهم وذلك بثواني معدودة قبل وصول الأمواج الأخطر المستعرضة والسطحية، أما احساس الحيوانات أياما أو اسابيع بقرب حدوث زلزال وشيك بناء على افتراضات غير واضحة فتلك قصة أخرى.
 
ورقةنشرت في مجلة جيولوجيا كاليفورنيا عام 1988 تربط بين الإعلانات عن فقدان بعض الحيوانات الأليفة في منطقة سان خوسيه في كاليفورنيا وتواريخ الزلازل في خليج المكسيك. تبين بعد دراسة مستفيضة لهذا الموضوع أن لا علاقة على ألإطلاق بين تواريخ فقدان هذه الحيوانات الأليفة وتواريخ حدوث الزلازل بما يوحي بأن الأمر ما هو إلا معتقدات لا صلة لها بالزلازل على الإطلاق. دراسة أخرى نشرت في مجلة علمية في الولايات المتحدة حول هذا الموضوع في عام 2000. تقول هذه الدراسة هل من المعقول أن تكون الحيوانات قد تطور لديها عاملا وراثيا يجعلها تستدرك اخطار الزلازل الكبيرة قبل حدوثها بأيام إلى أسابيع. من المعروف أن جميع الحيوانات تستجيب غريزيا لمخاطر الحيوانات المفترسة للنجاة بأرواحها، هنا نضيف أن بعض أنواع الغزلان تفرز غريزيا مادة في جسمها عند استشعارها بخطر الحيوانات المفترسة او عند صيدها من قبل الإنسان بالشكل اللذي يجعل من لحمها غير مستساغ. كذلك فيزيائيا من الممكن للحيوانات أن تستجيب غريزيا للزلازل فقط في حالة احساسها مباشرة باولى الأمواج الزلزالية كاللأمواج الطولية وذلك ثواني معدودة قبل لحظة وصول الأمواج المستعرضة أو السطحية الأشد قوة، أما قصة أن تكون الحيوانات قد تطورت وراثيا بحيث تستشعر التغييرات الفيزيائية الباطنية أياما أو اسابيع فهذا أمر لا نعرف عنه حتى اللحظة ومشكوك فيه. إذا كانت الحيوانات تستشعر هذه التغييرات الفيزيائية الباطنية أياما إلى اسابيع قبل وقوع الزلزال فلماذا لا يشعر بها الإنسان نفسه كونه كائنا عضويا شأنه في ذلك شأن كافة الكائنات العضوية الحيوانية الأخرى. بناء على ذلك تكون الحيوانات ليست استثناء في هذا الموضوع.
 
علميا لا شك أنه وقبل حدوث الزلازل يحدث في المناطق المرشحة لزلازل كبيرة او حتي زلازل صغيرة القوة تغييرات فيزيائية باطنية مثل تغير مفاجئ في التوصيلية الكهربائية أو المقاومة النوعية للأوساط الجيولوجية المجهدة بسبب الضغوطات الكبيرة الواقعة عليها المؤدية إلى إرتفاع درجة حرارة هذه الأوساط الجيولوجية بسبب من هذه الضغوطات الباطنية وذلك على مساحات واعماق كبيرة قد تصل إلى عشرات الكيلومترات أفقيا وعلى أعماق كبيرة. يحدث أيضا تغييرات في مغناطيسية وجاذبية هذه الأوساط الجيولوجية المعرضة لضغوطات واقعة عليها بسبب من الحركات التكتونية مثل ضياع المغناطيسية الكامنة (Remnant Magnetization). هذه التغييرات نعم تحصل على مدى أيام وحتى أسابيع قليلة قبل حدوث الزلزال الكبير. لكن كيف للحيوانات إذا ما صحت رواية أنها من الممكن أن تكون قد طورت نفسها ورثيا أن تستشعر ذلك طالما أن هذه الضغوطات تحصل على اعماق مختلفة قد تصل الى أكثر من 100 كيلومتر ولا يشعر بها الإنسان كونه كائنا عضويا حيوانيا هو الآخر.
 
في محادثة مباشرة مع أستاذ الجيوفيزياء في جامعة بلغراد الدكتور بروسن، حيث أفاد بأنه لربما أن يحدث في المناطق التي تحتوي على طبقات من الفحم الحجري أو الصخر الزيتي أو النفط أن يحدث تسرب لغازي ثاني أكسيد الكربون أوالميثان إلى السطح عبر التشققات الصخرية بفعل الإرتفاع الكبير لدرجة حرارة هذه الأوساط الجيولوجية المحتوية على هذه المواد. ارتفاع درجة حرارة هذه الأوساط الجيولوجية ناجم عن إجهادها بفعل الضغوطات الكبيرة الواقعة عليها وذلك أيام إلى بضعة أسابيع قبل أن تتسبب هذه الضغوطات بتكسير هذه الأوساط الجيولوجية محدثة الزلزال. و بما أن غاز ثاني اوكسيد الكربون أثقل من الهواء يكونفي العادة  قريبا من السطح، ومن الممكن أيضا على حد قوله أن يختلط الميثان بالكبريت الأرضي مسببا رائحة كريهة بالشكل اللذي ينفر الحيوانات سواء الزاحفة أو الراجلة على أربع. لكن ماذا عن المناطق التي لا تحتوي على الفحم الحجري أو الصخر الزيتي أو النفط.
 
في حادثتين منفصلتين نورد ملاحظاتنا التي تنفي ما يعتقد أن بامكان الحيوانات أن تتنبأ بالزلازل قبل ساعات، أيام أو أسابيع. في شهر يناير من عام 1992 حدث زلزال في العدين بمحافظة إب/اليمن. أعطانا التحليل الرقمي واليدوي له أنه بقوة 3.5 درجة تقريبا وعلى عمق أقل من 10 كيلومترات. احساسنا القوي بهذا الزلزال الخفيف كان بسبب وجودنا في مركز الزلزال وكونه أي الزلزال كان قليل العمق أيضا. قبل هاذا الزلزال لم نلاحظ أي إشارة لسلوك غريب يستدعي الإنتباه من قبل الحيوانات الداجنة في المنطقة كالكلاب والقطط وغيرها، لكن بعد حدوث هاذا الزلزال وعند تحركنا لأخذ بيانات إحدى محطات الرصد الزلزالي لاحظنا وجود ارتباك على هذه الحيوانات خاصة مع حدوث قرقعات قوية عالية الصوت صاحبت هاذا الزلزال. معنى هاذ أن مجمل الكائنات الحية الحيوانية ليس باستطاعتها التنبؤ بالزلازل بل تتأثر حسيا بالإهتزازات والأصوات الناجمة عنه بعد حدوثة شأنها في ذلك شأن الإنسان.
 
الملاحظة الثانية كانت ليلة 10 على 11/02/2004، حيث بدأ النشاط الزلزالي الخفيف ليلا وتركز في منطقة العقبة. هاذا النشاط الزلزالي توقف قرابة الساعة الرابعة صباحا ليضرب منطقة شمال شرق البحر الميت الساعة 10:12 دقيقة زلزال بقوة 4.9 حسب مقياس ريختر على مسافة 250 كيلومتر شمالا شعر به المواطنون في أغلب مدن المملكة وشمال فلسطين دون أن يحدث خسائر تذكر في الجانب الأردني. الزلازل الخفيفة في منطقة العقبة التي سبقت هاذا الزلزال واعتبرت مقدمه له بحيث أنه كان من الممكن حدوث هاذا الزلزال في نفس منطقة النشاط الزلزالي في العقبة لولا هجرة الضغوطات التكتونية شمالا خلال وقت قصير ويحدث الزلزال في منطقة البحر الميت السالفة الذكر. اذا ما كانت الحيوانات لها القدرة على استشعار الزلازل قبل وقوعها بساعات الى ايام او اسابيع فلماذا في هذه الحالة لم يحصل ذلك سيما وأنه لم ترد أي من التقارير عن سلوك غريب للحيوانات لا من العقبة ولا من منطقة البحر الميت. بناء على ذلك اين ستستشعر الحيوانات الزلزال في العقبة أم في البحر الميت. هجرة الطاقة التكتونية معروفة لدى العلماء المختصين وجاري البحث فيها فيزيائيا ورياضيا على مستوى العالم.
 
بناء على ما ورد لا ينبغي للعلماء المختصين اشغال انفسهم في هاذا الأمر سيما وأن هاذا الأمر يبدوا اقرب الى الغيبيات منه الى الواقع. 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد