قلنا في مقال سابق إن الربيع العربي لم ينته، ولم تزل أسبابه بعد، والأنظمة الحاكمة لم تنهج النهج الاصلاحي الحقيقي أو تنشر قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان، في ظل عصر يحكمه القانون وتصان فيه كرامة الانسان، الا في بلاد العرب، ما زال الانسان تمتهن كرامته ويخطف مستقبله ويموت قهراً وفقراً.
تجدد الربيع العربي في الجزائر والسودان، وبدأ يزهر ديمقراطية في تونس، فقد استطاع الانسان العربي في السودان والجزائر من تغيير أنظمة سياسية بالطرق السلمية وعدم الانجرار وراء العنف كما حدث في سوريا وليبيا، وكان حذراً من أي دعوة خارجية لذلك.
الجزء الثاني من الربيع العربي، سيكون أكثر تطوراً وصلابة وتمسكاً بتراب الوطن، سواء في الشارع أو بين صفوف أفراد السلطات الحاكمة، الذين سينحازون في نهاية الامر الى أهلهم واخوتهم ووطنهم، وهذا ما شاهدناه في الجزائر والسودان.
المواطن العربي سيكون اليوم أكثر وعياً، ولن ينجر خلف نداءات خارجية تسعى لخراب الأوطان، فهو قادر على إدارة حراكه وربيعه، وتعلم الدرس جيداً، وسيكون أكثر ثباتاً وصلابةً.
ما يحدث في مصر اليوم، ليس مفاجئاً كما قيل أو عبر عنه سياسيون، فهو نتيجة طبيعية لبقاء أوضاع المواطن المصري على حالها، بل قد تكون زادت بؤساً ويأساً، فالمواطن الذي أراد التغيير في ثورة يناير طمح إلى العيش الكريم والخروج من الأزمات المتراكمة، فان لم ينجح النظام السياسي بذلك، فهو لن ينجو من غضب الشارع، فالمعادلة واضحة، فصمت الشعوب اليوم لن يدوم طويلاً، فقد كُسر حاجز الخوف في الشارع العربي منذ عام 2011، ولم يعد هناك لدى أجيال السوشل ميديا ما يخيفها، ما دام مستقبلها مجهولا.
أمام الأنظمة العربية الحالية، فرصة حقيقية للحفاظ على الأمن والاستقرار والنجاة بأوطانها، من خلال احداث الاصلاحات الحقيقية غير التجميلية، ومحاربة الاستبداد والفساد، ونشر قيم العدالة الاجتماعية، وترسيخ الديمقراطية وتكافؤ الفرص، وجعل الانسان عماد التنمية، فمن أراد أن يخدم الناس يجب أن يكون معطاءً لا طامعاً، فإن لم يستطع فخسرانه وشيك أمام غضب شعبي قد ينفجر بأي لحظة.
فرغم انفتاح عقل الإنسان العربي، واطلاعه على العيش الكريم واحترام المواطن في دول العالم، إلا أنه ما زال يعاني الظلم والاستبداد والفساد بل وصل الأمر إلى أن بعض الانظمة ما زالت تمارس التعذيب والاعدامات خارج المحاكم ضد معارضيها في انتهاك صارخ لكرامة الانسان، بل أن المواطن العربي في بعض دول العرب لا يستطيع أن يفتح فمه ولا يستطيع أن يعبر عن رأيه خوفاً من الاعتقال أو المحاربة في الرزق والعرض.
العالم تغير، فلن ينجو أي نظام من مد الربيع العربي، إن لم ينسجم مع شعبه، ويحقق العدالة، ويحترم الانسان، ويقضي على الفساد ويجعل سيادة القانون هي الفيصل بين الناس جميعاً، فعلى الأنظمة أن تكون عوناً للإنسان لا عبئاً عليه، وأن تتقي الله في أوطانها.