مع صدور نتائج امتحان الثانوية العامة، ما أجمل فرح النجاح بعد جهد تراكمي كبير على مدى اثني عشر عاما من الدراسةرافقه سهر وكد وتعب بذله أبناؤنا الطلبة والأهلوالمعلمون،ومن حقنا ان نرسم لوحة جميلة بألوان الطيف الجميلة الزاهية التي تدخل الفرح الى قلوب الأبناء والأمهات والأباء وكل مكونات الوطن. نعم انه فرح النجاح الذي يرسم طريق مستقبل ابنائناومستقبل أردننا الغالي في تخصصات متعددة تعتبر رافعةلكل مسارات التنمية.
ولكن ليس من حق أحد،أن يرافق التعبير عن الفرحوجود ظاهرة غير حضارية ومن أخطرها اطلاق العيارات النارية وسوء استخدام السلاح بالمناسباتوقت اعلاننتائج الثانوية العامة و التخرج من الجامعة والأعراس بطريقة إستفزازيةتصل إلى حد التهور والجنون من قبل البعض حوّلت الأفراح إلى ما لا يحمد عقباها،وأدت إلى حدوث وفيات وإصابات خطيرة وإعاقات دائمة،كما خلَّفت كوارث مأساوية راح ضحيتها عدد من الأبرياء.
لقد وجه جلالة الملك حادي الركب الحكومات في أكثر من مناسبة إلى ضرورة وقف هذه الظاهرة ومحاسبة المخالفين الذي يعرضون حياة الأردنيين للخطر، وأن سيادة القانون يجب تطبيقها على الجميع بعدالة ودون أي تهاون لمواجهة فوضى إطلاق العيارات النارية وسوء إستخدام السلاح الذي يعتبر تعديا على حق المجتمع وعدم احترام سيادة القانون والمساس بهيبة الدولة. الأمر الذي يتطلب منا جميعا نحن المواطنين نبذ هذه الظاهرة التي تعكس ضيق الأفق عند البعض الذي ما زال يعتبرها موروثا اجتماعيا، وفي رأيي ورأي الكثيرين أن ذلكيدخل ضمن إطار بطولات مصطنعةووهمية سيمّا أن ضحايا الرصاص الطائش لميكن رادعا لتلك الضمائر الغائبة عن الوعي والتي تسيطر على عقولها الشوفينية الزائفة،والتي تخزن في عقلها الباطن والظاهر معا ان العبث في ارواح الناس لا قيمة له او اعتبار مقابل استعراض رخيص تمارسه أنانية مقيتةتمتلك أفقا ضيقا وعقلا مهزوما لا يرتق الى تصرف حكيم وسلوك سوي.
ووفق التقرير الإحصائي السنوي لعام 2018 الصادر عن دائرة الإحصاءات العامةارتفعت حالات إطلاق العيارات النارية في المملكة إلى إلى 9745 حالة بين عامي 2014 - 2018، منها 1871 حالة خلال العام 2018، وبنسبة ارتفاع بلغت 4.7% مقارنة مع عام 2017.
كما تشير احصائيات مديرية الأمن العام الى وفاة ثلاثة واشخاص واصابة 48 شخصا خلال العامين الماضيين، وسوء استخدام السلاح حيثضبطت الأجهزة الأمنية خلال العامين الماضيين (5457) قطعة سلاح ما بين اتوماتيكي وسلاح فردي، سواء خلال واجبات أمنية للتفتيش على الاسلحة غير المرخصة، أو من خلال التعامل مع مختلف القضايا الجنائية الخطرة ومنها قضايا المخدرات.
ولم تتوقف هذه التصرفات والسلوكيات السلبية عند اطلاق النار وحده بل رافق ذلك من سلوكيات تهدد هدوء حياة الناس مثلإطلاق زوامير السيارات والسرعة والتجاوز الخاطيء من قبل البعض من جهة واستخدام مكبرات الصوت والالعاب النارية التي تعتبر انتهاكا لحريات الناس واقلاق راحتهم دون مراعاة شعور الآخرين من جهة ثانيةوإغلاق البعض لحركة الطرق وإقامة خيم للاحتفال في الشوارع التي تعيق حركة المرور وتعرقل نقل مريض الى مستشفى للعلاج وتضربمصالح الناس للانطلاق الى اماكن سكنهم وعملهم الى غير ذلك من سلوكيات غير حضارية تتصف بالنزق والتهور وانحدار منظومة القيم النبيلة.
خلاصة القول، ان حجم المسؤولية الملقاة على مؤسساتنا والمواطنين على حد سواء أصبح مضاعفا وكبيرا من أجل مكافحة هذه الظاهرة التي لا ترحم احدا من تداعياتها الخطيرة في كل الاتجاهات. كما أن الاعلام المرئي والمسموع والمقروء ووسائل التواصل الاجتماعي والمدارس والجامعات وكل منابر مؤسساتنا مدعوة لتساند جهود مديرية الامن العام والنيابة العامة للتخلص من افرازات هذه الظاهرة الخطيرة وتداعياتها. ونبارك مجددا لأبنائنا وللوطن هذا النجاح، ونأمل أن نترجم هذا النجاح إلى فرح حقيقي ضمن ضبط إيقاع يحفظ أبناءنا ومجتمعنا الواحد الموحّد من كل سوء بسبب تصرف أهوج يمارسه البعض دونما وعي او إدراك. وحمى الله أردننا وطنا آمنا عين الله ترعاه، ودام جلالة الملك سيدا وقائدا، وحفظ الله سمو ولي عهده الأمين.