لقد تجاوزت حوادث السير في بلدنا حد الجنون والاستهتار بأرواح الناس الأبرياء، في الوقت الذي نودع فيه أعزاء وأصدقاء وشبابا في مقتبل العمر وأطفالا في عمر الورود في لحظات صعبة وقاسية بسبب التهور وجنون قيادة المركبات والطيش الذي يذهب ضحيته الآلاف من أبناء بلدنا، ناهيك عن الاصابات والتشوهات الجسدية التي تعرض لها الكثيرون بسبب تلك الافرازات السلبية والخطيرة الناجمة عن تلك الحوادث المؤلمة حقا. هل السبب هو الطرق غير المؤهلة؟ ام السرعة والتجاوز الخاطيء وتغيير المسرب بشكل مفاجيء؟ ثم لماذا السرعة على هذه الطرق باستهتار ودونما وعي من قبل البعض؟ ولماذا غابت منظومة أخلاق السواقة على الطرق؟ حيث أودى ذلك بحياة عائلات بأكملها كان سببها النزق والفوضى وضيق الافق وانعدام الرؤية العقلية من قبل بعض السائقين على الطرقات، لأن عقلهم الباطن والظاهر يعتقد أن أرواح الناس رخيصة ويتم التنازل عنها بفنجان قهوة، وأن شركات التأمين تتكفل بدفع ما يترتب على ذلك من أمور مادية ومعنوية ناسين او متناسين أن الحوادث التي تقع بسبب التهور ورعونة التصرفات وغياب الضمير ترتقي الى حد الجريمة بحق المجتمع أفرادا ومؤسسات حيث تشكل معاناة كبيرة على المستوى الإنساني والاجتماعي والاقتصادي.
وأشير هنا الى تقرير مديرية الأمن العام لحوادث السير لعام 2018 الذي تضمن وقــوع (150398) حــادث منهــا (10431) حــادث نــتج عنــه إصــابات بشــرية أدت إلــى وفاة (571) شخص واصابة (1021) شخص بإصابات بليغة و (3746) شخص باصابات متوسطة و(11436) اصابات بسيطة وبكلفـة ماليـة تقـدر بــ (313) مليون دينار أردني، في حين بلـغ عـدد سـكان المملكـة ((10.309 مليـــون نسـمة وعـدد المركبـات المسـجلة (1637981) بالإضافة إلى دخول (767614) مركبة أجنبية إلى أراضي المملكة خلال ذلك العام.
وبتفصيل اكثر لتوضيح هول فداحة الأمر حيث يقع بالمملكة كل (5) دقائق حادث سير ويقتل كل (9) ساعات شخص في حادث سير ويسقط كل (29) دقيقة شخص جريح في حادث سير ويقتل كل (32) ساعة شخص عمره يقل عن 18 عاما في حادث سير. اضافة الى ذلك فان المملكة تخسر يوميا اكثر من 0.86 مليون دينار وبزيادة في معدل كلفة الحوادث المرورية بنسبة .7.4%أليست هذه الارقام مخيفة ومرعبة تهدد حياة الناس اجتماعيا وصحيا واقتصاديا، ولا توفر أحدا يستعمل المركبات؟.
ان مسؤولية ذلك لا تقع على مديرية الامن العام وحدها، وإن كان مطلوبا من مديرية الامن العام التي تبذل قصارى جهدها لتقليل الحوادث أن تعيد النظر في بعض التشريعات المتعلقة بقانون السير وكذلك وضع عقوبات مغلظة تمنع هؤلاء الخارجين عن القانون من قيادة المركبات وسحب رخص القيادة منهم ومنعهم من قيادة المركبات كما هو معمول في الكثير من بلدان العالم حماية لمجتمعنا ولاقتصادنا حيث يترتب على ذلك خسائر معنوية ومادية تشمل فاتورة علاج المصابين التي اصبحت عالية، اضافة الى الآثار النفسية الناجمة عن هذه الحوادث التي شوّهت الاجساد وفتكت بها وحولتها الى حالات من العجز، وأعتقد اذا ما تم تطبيق ذلك بحزم من قبل مديرية الامن العام ومساندة مؤسسات المجتمع المدني لها ومنع التساهل مع المستهترين بأرواح الناس الذين يبررون أفعالهم بفهمهم الخاطئ للقضاء والقدر الذي يفهمونه بطريقة ظالمة ومتجنية، وكذلك ان لا نرضخ للضغط الاجتماعي في حالات الاستهتار بأرواح الناس لنساهم معا في التقليل من نسبة الحوادث في بلدنا التي تتصدر معظم دول العالم حيث تحتل المرتبة الثالثة عالميا...ثم أين الاجراءات الوقائية والتوعية والتثقيف من قبل أسرنا ومدارسنا وجامعاتنا والاعلام التي قد تسهم في ردع حدوث هذا الخطر الداهم الذي غزا بيوتنا جميعا.
نعم، لقد اعتصر قلوبنا الالم برحيل طالب الصيدلة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية ابننا عمر الشياب وهو متوجه لاداء الامتحان ووالدته وشقيقته في حادث سير على طريق الزرقاء/اربد، ورحيل شاب وخطيبته الذين قضيا في حادث تصادم على طريق السخنة في الزرقاء قبل ايام، ورحيل عائلة قبل فترة ليست بعيدة في لواء الكورة بسبب حادث سير مأساوي. فإلى متى يستمر هذا المسلسل التراجيدي المؤلم حقا؟ ثم أليس من مسؤوليتنا جميعا أن نوقف حلقات هذا المسلسل الذي يعصف بنا دونما رحمة ولا يغادر منا احدا؟ وهل أصبحت المركبة التي يقودها البعض وسيلة لقتل أفراحنا وأهدافنا ومستقبلنا؟ كفى استهتارا بمنظومة القيم وعدم احترام القوانين ومنها قانون السير الذي وجد لحماية أرواح الناس؟ فهل نستوعب الدرس ويستيقظ الضمير الغائب تجاه ما نرتكب من اخطاء قاتلة نتجرع ويلاتها وهي من صنع ايدينا وبسبب العبثية والاستهتار الذي نمارسه في عالم اللاوعي والجنون؟. نعم، انها اسئلة استنكارية نرددها في جلساتنا وندواتنا عند وقوع هذه الحوادث، ولكنها سرعان ما تتبخر دون اخذ العظة والدروس والمراجعة والوقوف لحظات صدق وتدبر مع النفس، فهل نحن قادرون على تغيير ما بانفسنا وتغيير النهج في توصيل الرسالة المتعلقة بهذة الآفة الخطيرة بأسلوب أكثر عمقا وطريقة أكثر نضجا لتغيير السلوك؟ وليكن ذلك من مسؤولية المدرسة والجامعة في تقديم مساقات تدرس نظريا وعمليا كما هي مسؤولية الاعلام في تكثيف حملات التوعية المرورية لكافة شرائح المجتمع تساند في ذلك مديرية الأمن العام في مهمتها الوطنية الكبيرة لنسهم جميعا كل في موقعه للتقليل من حوادث الطرق لنحفظ حياة مجتمعنا ومستقبل ابنائه ونحافظ على أمنه وقوته متماسكا بوعي ومسؤولية واحترام سيادة القانون التي تعكس صورة الانسان المتطور بعقله وسلوكه.
• كاتب واكاديمي/ كلية الصيدلة - جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية
• عميد كلية الصيدلة سابقا في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا