في ظل التيارات الفكرية وعواصف التغيير التي اجتاحت القرية العالميةفي ظل مفهوم العولمةحيث نجحت العولمة الى درجة كبيرة في تغيير المفاهيم والقيم النبيلة والعادات الاصيلة في كثير من المجتمعات وانتشر تأثيرها بسرعة كانتشار النار في الهشيم دونما مقاومة لهذه المؤثرات السلبية أو فلترة وأخذ الايجابيات منها، وأصبحت البوصلة لا اتجاه محدد لها، والسلوكيات لا تستقر على حال متزن، بل مضطربة هنا وهناك في نفوس الشباب فانعكس ذلك على شخصياتهم التي اصبحت تتصف بالنزق والتهور حينا، وعدم احترام قدسية المرجعيات القيمية المستمدة من تعاليم ديننا الاسلامي السمحة وموروثنا الحضاري وعاداتنا الذي يدعو للجمع بين الاصالة والمعاصرة حينا آخر.
نعم، أن شبابنا يعيش أزمة قيم وسلوكيات خاطئة وعادات بحاجة الى مراجعة وتصحيح، ولا يتم ذلك الا بتحصينالشباب ضمن برامج وطنية شاملة ومدروسة تحفظ لهم توازنهم النفسي واستقرارهم الاجتماعي والتمسك بالمرجعيات الاصيلة ليكون الانسان المتطور بعقله وفكره هو القادر على غربلة الغث من السمين الذي يفهم معنى الحرية المسؤولة دون انفلات ولا تعصب ولا ضيق افق، وهو القادر على التأثير الايجابي الذي يقود المجتمع الى التطور بعيدا عن التعصب الاعمى، والانتماءات الفرعية، ولغة الأنا المقيتة.
لذا فان توجيه الشباب واستثمار الوقت في تنمية قدرات وإطلاق طاقاتهم الكامنة وتوظيفها بإسلوب علمي رصين قالباً ومضموناً, وتأهيلها علماً وتدريباً يشكل مهمة وهدفا ورؤية حاضرا ومستقبلا على جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسناواعلامنا الوطني ان تتابعها وتهيء المناخ المناسب لنجاحها لينعكس ذلك على تحقيق التنمية بمفهومها الشمولي ومنها التنمية الفكرية، وترسيخ المجتمع العلمي تدريسا وبحثا وتحليلا علميا الذي يعتبر محوراً أساسياً ومرجعية للتنمية المستدامة ليكون رافد خير وعطاء للوطن في جميع مرافق الحياة، اضافة الىترسيخ مفهوم المشاركة، والحرية المسؤولة، وذلك عن طريق برامج تربوية شاملة متصلة لها التأثير العميق في غرس قيم الانتماءالحقيقي للنهوض بالوطن ومقدراته، ولتصبح مؤسساتنا التعليمية ورسالة الاعلام ايضا قادرة على ترجمة نظرة التفاؤل بمستقبل الوطن وقدرة أبنائه ونضوج تجربتهم لتجاوز كل الصعاب.
إن ذلك يسهم بشكل فاعل فيتحصين ابناء الوطن من كل السلبيات والافكار الهدّامة والمتطرفة والاشاعات المغرضة كما يسهم في بناء اطار فكري انساني تربوي حداثي لدى الشباب اضافة الى اضفاء المسحة الثقافية وترسيخ مفهوم الوعاء الثقافي الشمولي لدى جيل الشباب الذي يعدّ ركناً أساسياً وداعماً حقيقياً لبرامج التنمية، الأمر الذي يتطلب أن تكونالبرامج قوية ومؤثرة معرفة وتربية وسلوكا وتوجيها نحو طرق تفكير ضمن بناء عقلية الإبداع والابتكار،وتعظيم قيمة العمل والعطاء الذي يرسّخ مفهوم الإنتاج لينعكس ذلك على تنمية المجتمع، لان الإنسان المؤهل والمبدع والمنتمي والحريص على العمل المخلص الدؤوب هو الذي يمتلك القدرة على فهم مستجدات العصر ومتابعة التطور.
ان اهتمام جلالة سيد البلاد بقطاع الشباب اولوية وطنية حيث وجه جلالته في أكثر من مناسبة الى توحيد القيم والمفاهيم ليتم تأصيل ثقافة شبابية ومجتمعية تعمل للأردن وتضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار، وضرورة النهوض بالبنية الفكرية للشباب وخصوصا طلبة الجامعات لاستثمار كفاءاتهم وقدراتهم للمساهمة في مسيرة الانجاز، وهذه دعوة لنا جميعا وخصوصا قطاع الشباب الى وضع الأمور في نصابها الصحيح بما يخدم أردننا وينهض في بناء أسوارهبإرادة قوية وبكل عزيمة ومضاء.
فهل ستكون جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية والتربوية والاعلامية قادرة على ترجمة رؤية جلالة الملك والافادة من التوجه الملكي الصادق في اعداد منتج شبابي منتم لوطنه وقضايا أمته بوعي وادراك ليتجذر ويترسخ الانتماء للأردن وطنا له حق علينا جميعا لأنه القاسم المشترك الأعظم الذي يجمعنا ويوحدنا. وهل نبدأ من الآن دون تأجيل أو تسويف، لأن ذلك يتعلق بمصير مستقبل الأجيال ومستقبل مسارات التنمية في بلدنا؟
علينا أن نمتثل ونصدع للإشارات والتوجيهات التي يوجهها جلالة سيدنا الذي يتابع مسيرة التعليم في أردننا الغالي حيث يؤكد جلالته دائماً أن النهضة الحقيقية والتنمية الشاملة تبدأ من مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، وعلى الجامعات أن تسمو وتترفع عن الصغائر وإزالة كل الرواسب والسلبيات التي تظهر من وقت لآخر حيث ما زلنا نقف موقف المتفرج دون أن يكون هناك أدنى علاج.
إن معالجة ذلك لا يتم في عقد مؤتمرهنا او ندوة هناك، فالأمر بحاجة إلى جهود مخلصة تعمل للوطن وتتقي الله في مستقبل أبنائه الذين هم بحق مستقبل الوطن الذي يتطلع إليه جلالة سيدنا ليكون واعداً ومشرقاً وقادراً على مواجهة التحديات والصعاب أنّى وجدت. فهل نبدأ نحن العاملين في الجامعات إدارات وأساتذة وعاملين وطلبة بجهد مخلص وعقل منفتح وضمير حي للتخلص من هذه السلبيات لأن نقد الذات (وليس جلد الذات) الذي يترجم إلى معالجة الخلل هو بداية الطريق الصحيح بعيداً عن التنظير أو تبرير الأخطاء وإلقاء أسبابها على الآخر أو تزيينها بمكياج زائف أو الهروب من مواجهة الواقع؟
وخلاصة القول ان تحصين ابنائنا ثقافيا وفكريا ونفسيا وتربويا واجتماعيا ضمن برامج وطنية قوية تعزز الانتماء الصادق والارتباط بتراب هذا الوطن ما حيينا والدفاع عن ثوابتنا الوطنية بعزيمة وايمان لتكون نهج حياة نمارسه سلوكا وواقعا ليبقى اردننا يعيش في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا في كل زمان ومكان وطن الكرامة والمجد. وحمى الله الأردن حرا أبيا عزيزا قويا بقيادته الشابة والحكيمة التي ترسم الخطى بعزيمة ومضاء نحو أردن مزدهر وشامخ بعون الله ودام جلالة الملك قائدا وسيدا وحفظ الله سمو ولي العهد الامين.