تشير معظم التوقعات الفلكية هذا العام على أن شهر رمضان سيكتمل بصيام الشهر تاما، حيث يصادف عيد الفطر يوم الخامس من حزيران (يونيو)، تقبل الله طاعاتكم، وأعاده عليكم باليمن والبركات، وكل عام والأمة إلى خير.
يوافق العيد هذا العام يوم الخامس من حزيران، وهو يوم له ذكرى مهيبة في حياتنا، ولذا حريٌّ بنا أن نستحضر المعنى الخالد للمتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد بأمر مضى أم فيك تجديد، فمجرد ذكر هذا التاريخ، تتوارد في نفوسنا الكثير من الخواطر، وتقفز في أذهاننا الكثير من الذكريات التي مر عليها نصف قرن بل يزيد، لكن ارتداداتها لا زالت تؤرق أبناء الأمة حتى اللحظة، ونستطيع أن نجزم أن أمتنا بقيت تنحدر في منزلق ليس له قرار، وعصفت بها العديد من الأزمات، دون أن تجد لها حلولا جذرية أو منطقية أو أخلاقية، مما سهّل على أعدائها أن يعبثوا بمقدراتها، بل سلّمت لهم قرارها وقيادها، إذ أن أهم القرارات التي تمسنا بقيت تُصاغ في لندن وواشنطن وموسكو واوسلو ووارسو.
يوم (5) حزيران من عام (67)، ضرب زلزال عظيم المنطقة العربية، عندما تضخمت إسرائيل ثلاث مرات على حساب أمتنا العربية، حين احتلت الضفة الأردنية، وسيناء المصرية، والجولان السورية، خلال وقت قياسي لم يتجاوز ستة أيام، مما ولد اليأس والقنوط في نفس الإنسان والجندي العربي، وبنفس الوقت أثار الإعجاب القهري لديه مما حققه عدوه وجيشه.
ما قبل هذا التاريخ، كان الحديث عن تحرير فلسطين وعودة اللاجئين، ربما خلال أشهر أو أسابيع، وكان النَفَس القومي وقتها ما زال في أوجه، بل أن من يقرأ عن الحراك السياسي وقتذاك عبر اللقاءات الإقليمية والدولية، يلمس مناصرة هامة لقضية العرب، حتى أن المفاوضات التي كانت تدور آنذاك، كان الخلاف فيها حول كيفية الانسحاب، ومدته، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
بعد الزلزال تبدّل الحال، وأصبح الشعار الجديد "الأن" هو العمل على إزالة آثار العدوان، وتنادَى العرب للقاء في الخرطوم لتدارك ارتدادات الزلزال وذيوله، حضره الجميع ما عدا سوريا، وأظهروا فيه تضامنا معتبرا، بل تم فيه تجاوز أهم الخلافات آنذاك، وأبرزها خلاف فيصل- ناصر، وأعلن العرب لاءاتهم الثلاث: لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف، قبل عودة الحق لأهله، لكن حتى في ظل اللاءات، أدرك العرب أن عليهم أن يبقوا الباب مواربا لحاجة قد تطرأ لــ (نعم).
اليوم بلد القمة ذاته-مثالا-انقسم على نفسه، فأنجب دولة جديدة، ويُخشى من ثالثة، وها هو الانقلاب الرابع على التوالي الذي يضع البلاد اليوم في أزمة خانقة، أمّا باقي العرب فليس بأفضل حال، فهم ما بين حروب أهلية وبينية وإقليمية، فعمَّ الخراب والدمار والفوضى بلادنا، بأيدينا قبل أيدي أعداءنا، حتى أن الحرب الباردة اختفت على مستوى العالم، وبات العرب يُحيُونها بتفاصيلها.
استمر مسار الأمة في انحدار، يتقلب بين القومي والديني والأيدلوجي، وبتحالفات بين شتى أقطارها مع القوى العالمية والإقليمية، لكن دون أن تتحقق أي من أهدافها التنموية أو القومية.
أمّا (5) حزيران المنتظر، الذي قد يهاجمنا من جديد، ويوافق عيدنا هذا العام، ويخشى أن يزيد من تشتتنا، فهو ما تنتظره الأمة بتسليم مثير لصفعة القرن، على أنها قدر محتوم، بل ينظر اليها كما أن كِسفاً من السماء على وشك السقوط، ونبدو كمن يساقون إلى الموت وهم ينظرون ،علما أن المشاريع التصفوية ليست غريبة أو جديدة علينا، لكنني أُدرك تماما لمَ يُستساغ الخنوع هذه المرة أمام إدارة أمريكية، تجيد لغة السوق ومساوماته، وبيدها عصا غليظة، لكن رغم ذلك فإن الرهان على الشعوب والقوى الحيّة في أمتنا، ما زال خط دفاع يرتجى عن حقوقها وثوابتها.