احترام ثوابت الدولة الأردنية أمر فرض عين على كل أردني يعيش على ثرى هذا الوطن، ويتمثل ذلك بأن دستورنا الأردني هو القاسم المشترك الأعظم الذي يوحدّنا في أردن العزم والكرامة، وكل من يتطاول عليه وعلى ثوابتنا الوطنية لا مكان له، ويعتبر جسما غريبا في قلبه مرض وفي رأسه أذى.
وسياسة الاستقواء والاسترضاء والمجاملة من قبل كائن من كان على حساب مصالح الوطن العليا لا يقبل فيها عاقل يهمه مستقبل أردننا الذي ساهم في بنائه قيادة هاشمية حكيمة منذ تأسيس الإمارة وإلى يومنا هذا، يساندها ابناء الوطن المخلصون الأوفياء الذين أفنوا زهرة شبابهم وقدّموا جلّ العطاء ولم ينتظروا مغنما ولا مكسبا إيمانا منهم بأن الوطن أكبر من كل المكاسب والمناصب والثروات، وجلّ همهم ترسيخ هذه الثوابت الوطنية لتبقى راسخة كجبال الشراة وعجلون ومرتفعات السلط لا تهزها ريح ولا يضيرها قول سوداوي مصفرة حروفه من قبل فئة لا تريد لوطننا خيرا التي باعت نفسها للشيطان وأخذت تنعق من خارج الوطن نكرانا للجميل كنعيق الغربان، وأحيانا من داخل الوطن ضمن صف الطابور الخامس وقوى الشد العكسي التي تضع العراقيل في دولاب العمل والنهضة، محاولة تشويه صورة الوطن بأسلوب ممجوج لا يخضع لمنطق او نقد بناء وضمن أجندة خارجية أو مصالح ذاتية تفوح رائحتها بالأنانية البغيضة والإنطواء على حب الذات فقط ... ولكن، ليعلم هؤلاء أن لهذا الوطن ربا يحميه، وقيادة هاشمية شجاعة وحكيمة، وشعبا وفيّا واعيا، وجيشا صلبا لا تلين له قناة، وأجهزة أمنية مخلصة متفانية قدمت الشهيد تلو الشهيد ما إستكانت يوما لباطل، وكانت الجباه دائما مرفوعة لم تنحن إلاّ لله، وكانت صخرة منيعة تفتت عليها كل قوى الشر والخذلان، عينها لا تنام حماية لأردن العزم بمكوناته ومقوماته تواجه كلّ من يحاول المساس بثوابتنا الوطنية بقوة لتبقى أسوار الأردن حصينة منيعة.
إن الرسائل الملكية السامية التي يوجهها جلالة الملك لشعبه ولكافة أجهزة الدولة من وقت لآخر، تأتي حرصا من جلالته متابعة وتوجيها لبوصلتنا الوطنية في كل مجال وصعيد عندما تنحرف البوصلة عن وجهتها الصحيحة المتمثلة بأن أولوية الأولويات هي مصالح الوطن العليا ومستقبل ابنائه. وجاءت رسالة جلالة الملك إلى عطوفة مدير المخابرات العامة اللواء احمد حسني حتقاي لضرورة مراجعة ترتيب البيت الأردني في كافة المؤسسات وعدم السماح بالأخطاء والتجاوزات أيا كان مصدرها، إيمانا من جلالته أننا مدينون جميعا لهذا الوطن أردن التضحية والفداء ورسالته الوسطية الحكيمة التي تحفظ التوازن وقيم العدالة للجميع. والرسالة، جاءت موجهة إلى مدير جهاز أمني حسّاس حيث ساهم هذا الجهاز في حماية الوطن من الأخطار الداخلية والخارجية على حد سواء، وكان على الدوام كما هو جيشنا الأردني الباسل وكافة الأجهزة الأمنية قرة عين القائد والشعب، وصمّام أمان وعنصر إستقرار لبلدنا في وسط الأجواء العاصفة والملتهبة التي إجتاحت اقليمنا المضطرب وبشكل خاص منطقتنا العربية.
نعم، إن رسالة جلالة الملك الى جهاز المخابرات الذي يحظى بإحترام وتقدير كافة الأردنيين، ويمتاز بمهنية عالية كفؤة وخبرة رائدة متميزة وبالتنسيق مع كافة المؤسسات هو موضع الثقة والأمانة في تصويب مواطن الخلل أنىّ وجدت، وأولها الحفاظ على ثوابتنا الوطنية، والحفاظ على هيبة مؤسساتنا كافة التي تشكّل بمجملها هيبة الدولة، وترسيخ مفهوم دولة المؤسسات والقانون الذي شابه بعض الأخطاء والتجاوزات بسبب سياسات الإسترضاء والمجاملات من أجل شعبية رخيصة، وإنتهاج سياسة سكّن تسلم من قبل بعض أصحاب القرار للهروب من قواعد اللغة إن جاز التعبير أو ترحيل الأزمات التي ينتهجها البعض دون مواجهة أو معالجة للأخطاء، كل ذلك كان على حساب مصلحة الوطن الثمينة والإنجاز والعطاء وأمانة المسؤولية حيث أن التراخي والهروب من مواجهة المشكلات وترحيلها، والتسويف دونما عمل حقيقي جاد قاد إلى حدوث فجوات كبيرة ساهمت في وجود تحديات ساهمنا بطريقة أو بأخرى في صنعها وتفاقم آثارها وتراكمها.
لقد سبق وأن أشرت في مقالات سابقة الى أن الرسائل الملكية السامية، بيّنت حجم التحديات والأخطار التي تواجه وطننا داخليا وخارجيا، الأمر الذي يؤكد ضرورة العمل ضمن نهج وطني شمولي ينهض بالأردن وطنا يستحق منا كلّ التضحية، وفي كلّ مرة تتضمن توجيهات جلالته لمكونات الدولة الأردنية مواطنين ومسؤولين أن "أنصفوا الأردن، لأن الأوطان لا تبنى بالتشكيك وجلد الذات، ولا بالنيل من الإنجازات وإنكارها، بل بالعزيمة والإرادة والعمل الجاد". كما أن رسائل جلالة الملك تدعو كل واحد لتكون عيناه على الأردن الوطن الأغلى، والعمل بصدق وضمير مؤسسي مسؤول من أجل إعادة ترتيب بيتنا الأردني على أساس متين وقوي، نساهم جميعا في بناء مداميك الإنتاج والعمل والإنجاز، في الوقت الذي نحارب فيه الفساد بكل اشكاله ونحصّن مؤسساتنا من هذا الخطر بتفعيل القانون والمساءلة والمحاسبة، لأنه لا أحد فوق القانون وأن بئر الوطن لنا جميعا، ومن حق الجميع أن يرتوي منه ماء عذبا زلالا، وواجبنا أيضا أن لا نسمح لكائن من كان أن يرمي حجرا يعكّر صفاءه ونقاءه أو يلوّث ماءه الذي يروي الزرع ليبقى أخضر يانعا يؤتي أكله كل حين.
نعم، ان إعادة ترتيب البيت الأردني يجب أن يتصدّر قائمة الأولويات دائما في كلّ مشاريعنا وتطلعاتنا واستراتيجياتنا واقعا عمليا نمارسه في البيت والمدرسة والشارع أفرادا ومؤسسات ضمن نسق واحد موحّد، بعيدا عن التنظير والتسويف والاقوال التي تتطاير حروفها في الهواء أو سرابا يحسبه الظمآن ماء كي لا ينطبق علينا قول الله تعالى " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"... نعم نحن في أمس الحاجة إلى العمل الجاد واليقظة الواعية لمعرفة كلّ ما يدور حولنا داخليا وخارجيا لحماية مصالح أردننا من كلّ المتربصين والوشاة والمغرضين والمهرّجين وحملة الأجندة الخاصة التي تنفث بسمومها في كلّ الاتجاهات تحت عناوين خادعة، ولكنها مشبوهة في أهدافها موشحة بالظلام والسواد في باطنها، ولا تريد خيرا لوطننا الآمن المستقر الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام"، وقوله تعالى " يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون". وحمى الله الاردن إنسانا ومقدرات، ولتبقى راياته خفاقة تعانق عنان السماء وعلى طول المدى، ودام جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين سيدا وقائدا، وحفظ الله ولي عهده الأمين.
• عميد كلية الصيدلة سابقا في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا الاردنية.
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا.