الفيضانات والأعاصير والعواصف المائية تفرض نفسها اليوم وبشكل غير مسبوق على كافة الدول العالمية.
أحداث وظواهر عجيبة يشهدها العالم اليوم بسبب التغيرات المناخية والتي تظهر بقوة من خلال الكوارث الطبيعية والبشرية.
ارتفاع نسبة غاز الكربون CO2 والغازات الدفيئة الأخرى إضافة إلى الظواهر الكونية وخصوصا الهبات والسبات الشمسي كلها عوامل علمية يمكن أن تنسب إليها هذه التغيرات المناخية المفاجئة.
الأردن كما بقية الدول الأخرى يشهد اليوم فيضانات مفاجئة وخاطفة وسريعة وكذلك أخرى بطيئة..أدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح البشرية وتدمير جزئي او كلي للنظام البيئي بشقيه الحيوي وغير الحيوي الأمر الذي يتطلب أخذ الاحتياطات اللازمة لإدارة الكوارث وتقليل المخاطر والحد من الخسائر.
هنا ومع التطور التكنولوجي الهائل في مجال التنبوء بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف والبراكين والأعاصير ... بواسطة أجهزة الإنذار المبكر عبر الأقمار الصناعية أو أجهزة المراقبة الأرضية ... فلقد سعت كثير من الدول في العالم إلى أخذ إجراءات مؤسسية منظمة ومسبقة وجاهزية تامة لتخفيف المعاناة ولحماية الأرواح البشرية والمنشآت من المنازل والمراكز المهمة مثل محطات توليد الطاقة والوقود وغيرها.
ولعل التغيرات المناخية العالمية تفرض الآن على دول كثيرة بدأت الكوارث الطبيعية بغزوها وفرض حالة طوارىء فيها أن تقوم بوضع الخطط الإستراتيجية والتنفيذية بعد إجراء الدراسات اللازمة والضرورية وخصوصا دراسة تقييم الأثر البيئي.
ولعل الامطار الغزيرة..الوابلية ... والثلوج السميكة هي الأهم الآن على المستوى الوطني حيث كانت كارثة فيضانات عمان الأمس وقبلها الأغوار نذير للإهتمام بمناقشتها ووضع الحلول الناجعة لها الآن .
إن كثرة الآراء والتفسيرات الإيجابية والسلبية بحيث ساهمت وسائل التواصل الإجتماعي الإلكترونية في إعطاء فرصة للجميع للمشاركة ووضع الجميع بالمشهد الكارثي من خلال الصور ومقاطع الفيديو التي بينت حجم الكارثة وجاهزية المنشآت والأجهزة المعنية وهمة ونخوة المواطن الأردني.
وحيث أن الإجراءات الوقائية يجب أن تكون بالمستوى المطلوب و المناسب مع قوانين ومتطلبات إدارة الكوارث والأزمات المعتمدة عالميا من حيث التنبؤ المسبق في مسببات الفيضانات و جاهزية قنوات التصريف المناسبة لمواجهة الفيضانات الصغيرة و الكبيرة الهائلة و لذلك لابد من الإنتباه إلى أن قنوات التصريف الحالية من حيث جاهزيتها وصيانتها الدورية لأنها في وضعها الحالي في المدن الأردنية الرئيسية غير مناسبة لمواجهة فيضان صغير بسبب حجم وأبعاد هذه القنوات أو عدم صيانتها بشكل دوري مما يسبب في ضعف قدرتها على التصريف إضافة إلى عدم وجود تخطيط مسبق لمواجهة فيضانات مفاجئة ..الأمر الذي يلزم بإنشاء قنوات تصريف ضخمة وكذلك قنوات تحويلية وفصل شبكة التصريف الصحي عن قنوات مياه تصريف الأمطار وكذلك الأنفاق تحت أرضية القادرة على سحب وتصريف المياه ونقلها إلى مناطق بعيدة خارج حدود المدينة وتخزينها للاستهلاك إضافة إلى إنشاء السدود في الأماكن المناسبة على أطراف المدن لمنع تدفقها باتجاه الأحياء المختلفة في المدن.
وثمة نقطة هامة لابد من الإهتمام بها ومراعاتها لخصوصية كل مدينة في الأردن مثل العاصمة عمان ومدن: مادبا والبتراء على سبيل الحصر كونها تشهد فيضانات قد تؤدي إلى كوارث عنيفة-لا سمح الله- وهذه العوامل أهمها طبيعة وتضاريس المدينة وقيمة الانحدار ونسبة الميلان مما مما يتطلب مراعاة خاصة لأنظمة تصريف مياه الأمطار وخصوصا عند التقاء الاودية وانخفاض منسوب مستوى سطح الارض وعلى سبيل المثال فلقد شهدت العاصمة عدة فيضانات في تاربخها الحديث مثل فيضان عام 1965 وشهر 10 عام 2015 وشهر 1 عام 2018.
وللتذكير فقط إن العالم اليوم يشهد فيضانات كبيرة ومضية او ما تعرف الفيضانات المفاجئة Flash Floods والتي سببت عام 1931 في قتل 4 مليون شخص في الصين بعد فيضان النهر الأصفر إثر تدفق المياه نحو النهر في الربيع بعد ذوبان ثلوج الشتاء.
وهنا في الأردن فإن فاجعة البحر الميت والتي فقد بسببها واحد وعشرين شهيد وفي هذه الأحزان ارتقت طفلة شهيدة بسبب فيضانات مدينة مأدبا ويمكن اعتبار مدينة البتراء الأثرية مدينة منكوبة
ولعل الكوارث الطبيعية على تنوعها دفعت بدول كثيرة مثل اليابان وماليزيا وغيرها إلى إنشاء قنوات تصريف وتحويل لانسيابات المقما البركانية الحارقة لدرء أثر مخاطرها على الإنسان والمدن وعملت مثلها لتصريف المياه بإستخدام الآلات الحديثة الجبارة مثل آلة حفر الأنفاق العملاقة Tunnel Boring Machine (TBM) والقادرة على حفر أنفاق تحت أرضية بقطر يصل إلى 18 متر ولمسافات كبيرة جدا.
إن توفر الكفاءات الوطنية ومراكز إدارة الكوارث والأزمات والأمانات والبلديات والمفوضيات يتطلب وضع خطة شاملة للمدن الأردنية لمواجهة كوارث الفيضانات لأن التغيرات المناخية العالمية أصبحت تداهم كل الدول دون مراعاة لمستوى النشاط الصناعي والتكنولوجي أو الحدود الجغرافية لأي دولة.
أستاذ هندسة الجيولوجيا والبيئة - خبير إدارة الكوارث والأزمات