شغلت المناصب الإدارية أعضاء الكادر التدريسي في الجامعات الحكومية أكثر من إنشغالهم بالبحث العلمي ونوعية التدريس وخدمة المجتمع. بحيث أصبح الكثيرين ينظرون إلى الكرسي الإداري والتربع عليه على أنه برستيج أكاديمي أهم من التميز العلمي.
صحيح أن الجامعات بحاجة الى قيادات إدارية واعدة ومهيئة وكفؤه لكن ما نشهده الأن هو التهافت على التنافس على كرسي رئاسة الجامعات ولقد أصبحت قضية وطن من الدرجة الأولى. فما أن يفرغ شاغر إداري حتى تجد عشرات إن لم تكن مئات الطلبات من المتقدمين للتنافس الكثير منهم سيرته الذاتية متواضعة ونوعية نشره العلمي لا يرقى إلى مستوى التنافس ضمن المعايير المحلية والعالمية إضافة إلى المعلومات المغلوطة والتبيهر غير الواقعي في البيانات الشخصية.
ويلاحظ أحيانا تذمر البعض من قرارات لجان الإختيار بسبب عدم قناعتهم من رئيس الجامعة المنتخب او المرشح. وقد أدى هذا الأمر إلى وجود حالات إحتقان داخل مجتمع الجامعة بشكل خاص والمجتمع الأكاديمي بشكل عام. وربما ترجع هذه القضية إلى تدخل مجموعة عوامل منها المحسوبية والشللية والمناطقية و العشائرية.
صحيح أن الوطن خيمة خير للجميع ولكن لا يمكن القبول أن تتحول الجامعات إلى خيمة مناطقية لأن النسيج والتركيبة الإجتماعية الأردنية لا تسمح إلا بالتشاركية لجميع أطياف أبناء الوطن بعيدا عن ثقافة الأبيض والأسود.
وثمة نقطة مهمة لابد من التركيز عليها وهي ظهور السلالات الأكاديمية المصطنعة والنخب المكررة التي وقفت عائقا أمام تحقيق الأهداف المنشودة. حتى أنه كان قبل حين من الزمن أكثر من خمس رؤساء جامعات أردنية جاءوا من جامعة واحدة رغم أن هذه الجامعة لم يأتيها رئيس من خارجها ولربما جاء أحدهم مرة واحدة.
لقد أدى غياب التقييم المنتظم لأداء رؤساء الجامعات إلى أن أطلق بعضهم يده لممارسة سياسة إقصاء القيادات الاكاديمية داخل الجامعة ولدرجة أن الكثير يتنظر اطراء أحدهم ليقدمه نائبا له او عميدا او غيره.
إن اعتماد أن يكون رئيس الجامعة من الكادر الأكاديمي فيها ضمن شروط محددة وواضحة منها مدة خدمته في الجامعة وسيرته الأكاديمية والإدارية والمجتمعية سوف يخفف من ظاهرة التذمر والاعتداء على الرئيس والكادر الإداري.
الإعلام السلبي الناتج عن سلوك الإداريين أدى إلى عزوف الكثير من دول الجوار من إرسال طلبتها إلى الدراسة في الجامعات الأردنية.
وعلاوة على ذلك نجد ان كل رئيس جديد يبدأ بوضع تعليمات وملحقات معدلة تواكب أهدافه ولكن معظمها تصعيد وتغليظ نظام الترقيات رغم أن الجامعة لم تحقق شروط الإعتماد وضعف دعمها للبحث العلمي لا بل وأحيانا حجب المخصصات المستحقة وكذلك وضع نفسه في اللجان مدفوعة اجور اجتماعاتها والتضييق على الأكاديميين ماليا وداريا. وتجد في فترته الرئاسية عدة أسماء بارزة والآخرين غير مشمولين برعايته غير السامية.
إن إلغاء وزارة التعليم العالي وإنشاء مجلس أعلى للتعليم الجامعي له استراتيجية واضحة يوحد أسس التعيين والترقيات والتنقل بين الجامعات لاعضاء هيئة التدريس ويتابع كذلك مسيرة الجامعات وأداء كوادرها من خلال اللجان ومجالس الأمناء ومجالس العمداء ووضع أسس محددة لاختيار الكادر الإداري في كل جامعة وخصوصا نواب الرئيس والعمداء ورؤساء الأقسام سوف يحد من ظاهرة الصدمات والإعتداءات وإشغال الجامعات بقضايا غير مجدية.