صدر للباحث عز الدين المناصرة كتاب يحمل اسم ( امرؤ القيس الكندي شاعر العربية الأول ) عن دار ( زهدي ) - الرواد - قرب جسر الزراعة - عمان ( 2017 ) ؛ حيث تكلم على عدة قضايا وأمور تخص حياة الشاعر العربي القديم ( امرئ القيس ) الكندي صاحب المطولة ...
ومن هذه القضايا :
قصة وفاء السموأل بن عاديا اليهودي لامرئ القيس حيث خسر ابنه حتى يفي بعهده وذمته في الحفاظ على أموال الشاعر الكندي التي استودعها إياه ، فقد حمل عليها المناصرة حملة شرسة في انكارها وانها ( كذبة كبرى ) اختلقها احد أحفاد السموأل واسمه ( دارم بن عقال ) ، ولا نعلم مستند عز الدين المناصرة في هذا الادعاء !!
وقد سبق المناصرة في هذا الإنكار المبني على الرأي المحض العاري عن الأدلة والبراهين المستشرق ( ونكلر ) ، فأكثر هؤلاء المستشرقين دخلاء على علومنا فهم بمستوى أطفالنا في المدارس كما قالها الاديب النقادة محمود شاكر - رحمه الله - في كتابه الفذ ( الطريق إلى ثقافتنا ) .
ومن القضايا التي أثارها عز الدين المناصرة أيضا في كتابه المذكور ؛ إنكاره لزيارة الشاعر امرئ القيس لملك الروم ؛ وهذا الإنكار اعتمادا على أشياء منها : أن جبل عسيب المذكور في شعر إمرئ القيس ليس في بلاد الروم بل في الحجاز معتمدا على مقالة لنا في هذا الباب ... !
والذي يهمنا في هذه المقالة بحث القضية الأولى التي ردها المناصرة بمجرد الرأى والادعاء فقط ( وفاء السموأل ) .
إن قصة وفاء السموأل قصة بلغت حد التواتر والاستفاضة في كتب الرواة والأدباء القدامى ؛ حيث ذكرها طائفة ممن ألف في تراجم الشعراء وطبقاتهم مثل :
1 - الشعر والشعراء لإبن قتيبة الدينوري
2 - طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي
3 - الأغاني لأبي فرج الاصبهاني .
وذكرها أيضا من ألف في الأمثال العربية مثل :
( مجمع الأمثال ) للميداني وغيره .
فلا يكاد يخلو سفر أدبي قديم من ذكرها إما بتوسع أو اختصار .
وقد سبق المناصرة كما قلنا في هذا الإنكار المستشرق ( ونكلر ) ، ونقل هذا الانكار الدكتور جواد علي في كتابه ( المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ) ، ورد محمد عمر الطباع محقق ( ديوان السموأل بن عاديا ) هذا الادعاء ( 12 ) ، فقال : ( واللافت للنظر - بل الباعث على الاستغراب - أن الدكتور جواد علي أشار إلى رأي ( ونكلر ) اكتفى بطرحه ولم يناقشه مناقشة صريحة أو موضوعية .
وفي اعتقادنا أن مثل هذا الخبر المتواتر في مصادر التاريخ العربي ولا سيما المتعلق بفترة ما قبل الإسلام لا يمكن أن يكون مجرد اختلاق ما لم نقم على دحضه أدلة قاطعة وحاسمة ، وما دامت مثل هذه الأدلة غير موجودة بين أيدينا وما دام باحث مثل الدكتور جواد على لم ينف هذه القصة أو يضعفها ببراهين ، كما لم يدعم ما نقله عن ونكلر بروايات أخرى حتى بات ونكلر منفردا في هذا التصور ... ما دام الأمر هكذا فلا شيء يحملنا على هدم القصة ونفيها بمثل تلك السهولة ) .
فبمثل ما قال الدكتور محمد عمر الطباع محقق ديوان السموأل نقول للباحث عز الدين المناصرة ...
وليس لمجرد يهودية السموأل نطيح بقصة وفائه من غير دليل ؛ فقد قال ربنا - عز وجل - : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) .
وقال تعالى عن بعض أهل الكتاب : ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إليك ... ) .
وقد ذكر الأعشى السموأل وقصة وفائه عند مدحه لابن السموأل شريحا :
كن كالسموأل إذ سار الهمام له
..... في جحفل كسواد الليل جرار
بالأبلق الفرد من تيماء منزله
...... حصن حصين وجار غير غدار
إذ سافه خطتي خسف فقال له :
...... مهما تقله فإني سامع جاري
فقال : ثكل وغدر أنت بينهما
...... فاختر وما فيهما حظ لمختار
فشك غير قليل ثم قال له :
...... اذبح أسيرك إني مانع جاري
وسوف يعقبنيه إن ظفرت به
...... رب كريم وبيض أزطهار .
وقال ابن قتيبة في كتابه ( الشعر والشعراء ) عند ترجمة السموأل : ( وضربت العرب المثل بالسموأل في الوفاء ؛ وقد ذكره الأعشى في قصة له ذكرتها في أخباره ) .
وقد جاء في الأمثال العربية : ( أوفى من السموأل ) !
والأمثال هي مرآة الأمة في جميع حياتها ، شفافية وصدقا !
و قصة وفاء السموأل قد تكون متواترة في كتب الأخبار والأدب ، وذكرها القدامى غير طاعنين فيها أو منكرينها .
حتى جاء المستشرق ( ونكلر ) فأنكرها لمجرد الظن والرأي ؛ فقلده من قلده ... !!
ونختم مقالتنا برائعة السموأل - التي يكاد يجمع الرواة أنها له - التي تتضوع بصفات الشهامة والعزة التي تتصف بها نفس صاحبها :
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
...... فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
....... فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا أنا قليل عديدنا
...... فقلت لها : إن الكرام قليل !
وما قل من كانت بقاياه مثلنا
........ شباب تسامى للعلى وكهول
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
...... عزيز ، وجار الأكثرين ذليل
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم
....... فليس سواء عالم وجهول !
فهذا الحشد من الأخبار حول قصة السموأل وتلقي أسلافنا له بالقبول يطيح به عز الدين المناصرة بمجرد رأي عار عن الحجة والدليل !!
قال السموأل :
وفيت بأدرع الكندي إني
........ إذا ما ذم أقوام وفيت !