إن خروج الأردن من الأزمة التي يعاني منها يقتضي اعتبار الإصلاح ضرورة تاريخية ومصلحة وطنية، من اجل استعادة الثقة بين الشعب والقيادة ومؤسسات الدولة، وهذا يستلزم اعتماد إستراتيجية وطنية شاملة للإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري والأخلاقي من أجل إحداث التغيرات المطلوبة في الدولة والمجتمع على حد سواء، وذلك من خلال ما يلي:
1- إجراء وجبة ثانية من التعديلات الدستورية، إذ لا يمكن إحداث إصلاح سياسي حقيقي في ظل نصوص دستورية تعطي السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة، وهذا لا ينسجم مع المبادئ الديمقراطية وعلى رأسها السيادة للأمة، مع التأكيد على احترام أحكام الدستور والالتزام بها من قبل السلطات الثلاث ووقف العبث بالدستور، فالدستور هو الضمان الأكبر لاحترام حقوق الأفراد وحرياتهم، وذلك بما يسهم في تعزيز مكانة الدستور في قلوب ونفوس المواطنين والمسؤولين على حد سواء، وإنهاء التعارض بين النصوص الدستورية والترجمة العملية لها على أرض الواقع، فالخلل الذي يعاني منه الأردن هو في الممارسة أكثر من النصوص الدستورية، واعتبار الإصلاح الدستوري هو المدخل الحقيقي والأساسي للإصلاح السياسي وكافة أنواع الإصلاح الأخرى، وبالتالي لا بدّ من إجراء إصلاح دستوري يقوم على أن الشعب هو مصدر السلطات في الدولة، ويضع قواعد واضحة لإصلاح سياسي شامل يوفر الضمانات لحماية الحقوق والحريات العامة، ويعيد التوازن للعلاقة بين السلطات الثلاث، ويرسخ استقلالها ومبدأ الفصل بينها، ويشتمل على ضمانات تعزز النهج الديمقراطي في الحكم، على أساس التداول السلمي للسلطة والتلازم بين السلطة والمسؤولية، بحيث يتم إلغاء التعديلات التي طرأت على دستور عام 1952 وأفقدته سماته الديمقراطية، وأخلت بالتوازن بين السلطات، وإلغاء الأحكام الدستورية التي فقدت مسوغات وجودها، وتعديل الأحكام الأخرى في ضوء التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي وقع خلال السنوات التي مضت على وضع الدستور، ليصبح بعد تعديله أساساً صالحاً لنظام نيابي ملكي دستوري في دولة ديمقراطية.
2- العمل على تعزيز استقلال ونزاهة القضاء وتطوير آليّات تطبيق القوانين، وإصلاح النظام القضائي بما يضمن وحدة السلطة القضائية ويعيد للقضاء هيبته واحترام قراراته ترسيخاً لشرعية الدولة، وتحقيقاً لمبدأ المشروعية باعتبارها ركناً أساسياً لتعزيز حكم القانون، وإلغاء جميع أنواع المحاكم الاستثنائية المختصة بمحاكمة المدنيين، وذلك بشكل يتواءم والتزامات الأردن الناشئة عن اتفاقيات حقوق الإنسان.
3- تفعيل دور السلطة التشريعية في الإصلاح الدستوري المنشود بحيث يمارس مجلس النواب دوراً أكبر من الدور الذي مارسه تاريخياً في مسيرة تطور الدستور الأردني، باعتباره صاحب الولاية في التشريع وتعديل الدستور، وأخذ زمام المبادرة في اقتراح المزيد من التعديلات على الدستور، لا سيما تلك التي تضع نهاية لهيمنة السلطة التنفيذية وتغوّلها على بقية السلطات.
4- وقف هيمنة السلطة التنفيذية وتغولها على بقية السلطات في البلاد، ووضع حد لحالة الانفراد بالرأي والحكم والقرار، وتهميش مؤسسات الدولة لصالح المؤسسة الأمنية التي لا تزال تسيطر على كافة مفاصل الحياة في البلاد، وتستخدم سياسة القبضة الحديدية في التعامل مع المعارضة أو المنادين بالإصلاح.
5- إعادة النظر بالنهج السياسي تجاه المعارضة المتمثل بالاستبعاد والشيطنة، فلا بد أن يكون للمعارضة موطئ قدم داخل النظام الديمقراطي، والأردن وطن لكافة أبنائه، كما أنّ المعارضة هي حالة وطنية وشرعية، وضرورة من ضرورات الديمقراطية، وصمام أمان للنظام السياسي، وتضفي عليه قدراً من الشرعية، وليس هناك من بديل عن الحوار معها، للوصول إلى الوفاق الوطني الذي يخرج البلاد من حالة التجاذب والاستقطاب، وعلى قوى المعارضة في ذات الوقت أن تراجع مواقفها وبرامجها وأساليب عملها، وتعيد تنظيم صفوفها، وترتقي إلى مستوى التحديات التي تواجهها من أجل الوصول إلى أهدافها في الإصلاح.
6- إعادة النظر بالقوانين الناظمة للحياة السياسية ولا سيما قوانين الانتخاب، والأحزاب السياسية، والمطبوعات والنشر، وحق الحصول على المعلومة، بحيث يتم التوافق على قانون انتخاب يوفق بين الاعتبارات الديمغرافية والجغرافية، ويحقق العدالة التمثيلية، ويواكب المعايير الدولية، وكذلك تبني قانون جديد للأحزاب السياسية يجعل الأحزاب رافعة قوية للديمقراطية والتعددية السياسية، ويزيل أزمة عدم الثقة بين الحكومة والأحزاب، وتبني قانون جديد للمطبوعات والنشر لإطلاق الحريات العامة وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة والإعلام، وكذلك تعديل قانون الحق في الحصول على المعلومة، لا سيما التي تهم المواطن، بما يضمن الكشف بشفافية عن الحقائق ويعلي قيم النزاهة وسيادة القانون.
7- إعادة النظر في النهج الاقتصادي وتأكيد دور الدولة في النشاط الاقتصادي، ووقف سياسات الخصخصة، والعمل على استعادة المؤسسات والشركات التي تم بيعها، والعمل على استعادة الأموال التي تم نهبها، والتشدد في سياسة الاقتراض والاقتصاد في النفقات الرسمية ووقف الإسراف والتبذير الذي لا مسوغ له.
8- الابتعاد عن الحل الأمني في مواجهة التيار الإصلاحي في البلاد واتباع الحلول السياسية، وإصلاح المؤسسة الأمنية، ووقف تجرؤ الأجهزة الأمنية على حقوق المواطنين وحرياتهم، ووضع حد للنهج الذي تستخدمه الأجهزة الأمنية والذي يعبر عن ذهنية عرفية، وذلك بتحديث هذه الأجهزة وتأهيلها لممارسة مهامها في حفظ وحماية أمن الوطن والمواطن، والتوقف عن التدخل في الحياة المدنية للمجتمع، والتحول من دولة المخابرات إلى مخابرات الدولة.
9- العمل على إصلاح التعليم في مختلف مستوياته باعتباره المدخل للإصلاح في كافة المجالات، وهذا يتمثل بإعادة النظر بدور ورسالة وظروف العاملين في هذا الحقل بحيث يتم تهيئة الظروف المناسبة لهم للقيام بدورهم على أكمل وجه ولا سيما في مجال إرساء وتدعيم قيم وسلوكيات الديمقراطية وتعميق الانتماء الوطني والقومي، وكذلك تطوير النظام التعليمي بما يتوافق مع متطلبات السوق وتزويد الطلبة بالمهارات والخبرات التي تمكنهم من المنافسة في سوق العمل.
10- وضع حد لسيطرة النخب السياسية والقيادات الهرمة على مقاليد العمل في مؤسسات المجتمع المدني، وعلى رأسها الأحزاب السياسية، في مقابل تهميش الأغلبية، ومن ضمنها جيل الشباب، إذ لا مكان للشباب في هذه المؤسسات، ومثل هذه الممارسات تدعو للإحباط، ولا تشجع الشباب على المشاركة، وقد يكون عقد مؤتمر وطني عام يسهم في التوصل إلى تبني برنامج عمل يشكل خريطة طريق أو ميثاق وطني للإصلاح، ينقل دعاة الإصلاح من حالة الانتقاد ورفع الشعارات إلى تقديم الحلول والبدائل إضافة إلى أن مثل هذا الميثاق قد يشكل ضمانة لتماسك واستمرارية التيار الإصلاحي في البلاد.
وختاماً نقول، إن المسؤولية تقع على عاتق الجميع، فليس أمامنا الكثير من الوقت أو الخيارات للتفكير والتأمل، فعلى الجميع أن يرتقي إلى مستوى تحديات المرحلة من أجل تجاوز الأزمة الحالية، وتضميد جراح الوطن، والعبور من الربيع العربي وصفقة القرن إلى المستقبل بأمانة وثقة من أجل حياة أفضل وأكثر يسراً وعدالة، نأمل ذلك.
(1) استاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك