لقد كتبت عدة مقالات حول قبيلة ( جذام ) اليمانية ، منها : 1 - جذام في شعر العرب . 2 - جذام في شعر أبي ذؤيب الهذلي . 3 - جذام وغزوة ذات السلاسل . وهذه المقالات منشورة في صحيفة السوسنة الأردنية ، وهذا الفعل مني لتسليط الضوء على مآثر هذه القبيلة العريقة التي تسكن جبال ( حسمى ) إلى حدود الديار المصرية ... فقد ذكر أبو نصر الفارابي في معرض كلامه عن فصاحة قبيلة قريش ؛ ما مفاده : ( أن أهل اللغة لم يعتمدوا لغة القبائل التي تباعدت عن موطن قريش ... فجذام ولخم جاوروا مصر والأقباط ، وغسان وقضاعة وإياد جاوروا الشام ... ) .
وإلى الأن جذام وبطونها تسكن حسمى وحدود الديار المصرية كالمعازة في تبوك ومصر وكالترابين والحويطات والأحيوات والتياها وبطون لا يحصيها إلا من برأها كثرة وتعدادا !! والذي يهمني في هذه المقالة تأييد ما قاله شاعر هذيل ؛ أبو ذؤيب الهذلي في وصف جذام بكثر الإبل حيث قال : كأن ثقال المزن بين تضارع ...... وشامة برك من جذام لبيج ! فهو في هذا البيت يصف السحاب المثقل بالماء بين هذين الجبلين ( تضارع ) و ( شامة ) بإبل جذام حال كونها مصروعة ؛ دمها ينزف ... ! . وقال اللغوي الأندلسي ( ابن سيده ) كما هو في لسان العرب عند مادة ( جذم ) تفسيرا لبيت أبي ذؤيب : ( جذام حي من اليمن ، قيل : هم من ولد أسد بن خزيمة ، وقول أبي ذؤيب : كأن ثقال المزن بين تضارع ..... وشامة برك من جذام لبيج . أراد برك من إبل جذام ؛ وخصهم ؛ لأنهم أكثر الناس إبلا ) .
وقصد ابن سيده بالناس في كلامه : العرب ؛ لأنهم هم أهل الابل . وقد وقعت على أبيات لشاعر ( الدروز ) شبلي الأطرش وهو من مناطق السويداء في الديار الشامية ( سوريا ) المتوفى سنة ( 1904 ) تقريبا ، حيث ذكر أبياتا نبطية أبان فيها أن أفضل العرب إبلا هم جذام وخص منهم بطنا ؛ و هم قبيلة ( التياها ) ؛ وهذا مما يؤكد قول أبي ذؤيب وتفسير ابن سيده أيضا . قال شبلي الاطرش : فاض الغرامي يوم شفته بمنامي ...... والدمع عامي والشظا في عظامي من كثر مابي يالربع وآعذابي ...... وضح شهابي بالمفارق وهامي من عقب ذا شديت عشرة سراحيب ..... اليا مشو ذرعانهم كالدواليب اسرع من اللي يقطعوا الدو تهذيب ...... من غير طوله مثل رف الحمامي الاوله من خاص ركب اللحاوي ....... وشدادها ما كلفوا كل غاوي تامن عليها لو مشت بك خلاوي ..... بس انت جود حبلها والزمامي الثانيه خذيتها من التياها ...... ياذكرت الله يوم غارو تواها اسرع من الدولاب نقلة اخطاها ...... من خلقته ما وقفت للمسامي الثالثه شعلا من الهجن حره ...... تسبق رفاريف القطا من مفره ركابها ما باعها ب مية صره ...... ولو ملوله خرجها للعصامي الرابعة شقحا بوضاح سمينه ......عوصا على قطع الفيافي متينه اليا مشت غدوه من ارض المدينه ...... تلفي دمشق الشام قبل الظلامي الخامسه من نجد جت مستحيله ...... من هجن ولد سعود حره اصيله ما وقفت بالعمر للسوم شيله .......ترعى عفا روس النفل والخزامي .
ثم أخذ يذكر الإبل حتى أوصلها إلى عشرة أنواع . فقد جعل هذا الشاعر الدرزي أولى الإبل في السبق والخفة والنجابة إبل ( اللحاوي ) وهو نسبة إلى قبيلة ( اللحاوي ) الشرارية وهم بطن من كلب ، - افادني بهذا أخي أحمد أبو بكرة الترباني - ثم عطف في المرتبة الثانية إبل قبيلة ( التياها ) وهي جذامية المحتد ومسكنها صحراء النقب وسيناء ، وجعل إبل آل سعود حكام الحجاز ونجد في المرتبة الخامسة . ولعلنا أثرينا المخزون الثقافي لجذام وبطونها !