حين يتكرر الحديث عن الفساد يكتسب وقاحة وقوةً ومتانة بسبب عدم المساءلة والمحاسبة ولا ندري ما السبب والنقد عندما يبدأ بالتلاشي ويتحوّل الى أسى ويصبح شيء مدان ودخيل ويحاسب ويلام صاحبهُ وكأن كشف الفساد أصبح فساد .
وحين نفقد الإحساس به يتحوّل الى بديهية البديهية وتكمن في تبرئة الفاسد ضمنياً بالقول (الكل فاسدون ) فيضيعُ الواحد في الكل.
يعرف الفاسد هذه البديهية فيعمل على تحويل الفساد الى مؤسسة وعمل ممنهج من طبقات تبدأ من القمة نزولاً لشريحة أوسع من الفاسدين وهم في الاصل كانوا صغار وهم الأن الذين يتحكمون بالمال العام وبالمواطنين وبأبسط حقوقهم التي كفلها القانون والمنطق.
والمواطنون يتجاهلون حقهم الطبيعي توافقاً وتسليماً للفساد كونه أصبح واقعاً وحقيقة وخاصةً انهم تكلموا عنه وأدانوه كثيراً وأصبح واضح للعيان ولا يحاسب الفاسد على فساده بل يكرّم ويظهر في بعض المواقف بطلاً ويلقي علينا الخطب ويصبح المواطنين بدل ضحايا فاسدين ومفسدين بطريقة مباشرة وغير مباشرة لأسباب يعلمها العاقل.!!!
حين يصبح الفساد والكذب واقعاً محموداً تتحول النزاهة والصدق إلى حلم غير قابل للتطبيق ويصبح الفاسدون مسؤولون ويشار لهم بالبنان ويحلمون ألقاباً ومسميات مما هب ودب.
وأنا هنا ألاحق الفساد والمفسدين ويلاحقونني حيث ما اتجهت وأينما ذهبت. أحسه مثل زجاج ناعم بين أسناني وأنا أطحنهما من الغضب. أحسه تحت قدمي في هذه الشوارع التي عبدت قبل اشهر ثم عراها المطر وكشف حقيتها .
أم في المشاريع الفارغة والعطاءات الغامضة التي تكررت للمرة الثانية أو الثالثة ثم عاد فانكشف حالها. تتلوى قدمي وتتضرر سيارتي من كثـرة الحفر ولا اكاد ارى شارع يخلو من تلك الاخطاء والحفر وهذا شيء واضح وبدون أي احساس بالمسؤولية ؛وانا أمشي على الرصيف الذي جدد للمرة الثانية دون أن يسأل أحد عن المقاول الذي جدد الأولى وربما هو نفسه وراء انخسافات الثانية.
الفساد مندفن حتى في الجمال المفترض، موجود في الزهور والاشجار التي زرعت حديثا وبكثرة على جانبي الشارع وأعرف أنها ستذبل وتصبح حطباً مما يتطلب عطاءات جديدة لاستبدال الحطب بأشجار جديدة ستتحول حطبا مرة اخرى .
بين الاشجار الخضراء والنخيل يختفي الفساد الذي يفسد متعتي بالجمال لانه كان سبب في تشوه كبير يختفي وراءه الإحساس بالفساد ولا يعود في لحظة تقبله كقدر.
وأنت تتجول في جرش لا ترى في عينك مشروع حقيقي يخدم مجتمعها ويعبر عن حاجاتهم بل ترى مشاريع الشخصنة وهدر للمال العام وترى سوء الادارة والاهمال وأصبح لسان حال الجرشيين يقول ياليت كل يوم يوجد زيارة لدولة رئيس الوزراء من اجل قيام المسؤولين بالإهتمام وتنظيف الطرق وترتيب الاسواق وخلع البسطات ووضع حد للعشوائيات بهذا الشكل الذي لا يبقى سوى لساعات الزيارة ويعود الوضع المحزن والسيء كما كان قبل الزيارة وهذا دليل جديد على عدم الكفاءة والتمثيل السيء بحق هذا الوطن الغالي.
وعند كل دخول للوسط التجاري وتتجول ترى العجب العجاب ولا جديد والحال على ماهو عليه والوعود ذهبت ادراج الرياح هذا حال كل الفاسدين المعتادة سماها أهل المنطق ( إعادة تمثيل الادوار ).
الفساد مدان وله تبعات خطيرة وخاصة اذا تم السكوت عنه كما يحدث الأن ؛ لم يكن تمنّعي تهديدات الفاسدين ومحاربتي لهم هي مقاومةً للباطل ورفضاً للفساد. فهو واقعٌ وحقيقةً أصبحت تتلاشى شيئاً فشيئاً بسبب الإحباط وفقدان الأمل المَشْجون ، إنما الحياة هي حياةً بكرامةٍ وسُكُون وعدم السكوت عن الظلم والجبروت ؛ أشعر اني أتعالى على الفاسدين وأهين كرامتهم وشخوصهم وأنبش ماضيهم وأكشف حاضرهم وهم يهددونني ويتوعّدون؛ وسيرون مني ما كان وما سيكون.
وأنا حقيقة لا أراهم في عيني ولم احسب لهم في يوم من الايام حساباً ولا قيمةً؛ والله يشهد على هذا لأني أعرف حقيقتهم التي يجهلُها الكثيرون ويُخفيها أذنابُهم المأجورون.