نشرت قصة روح بن زنباع الجذامي مع الخارجي القعدي عمران بن حطان الشيباني وذكرت الأبيات التي قالها عمران عندما هرب لما شعر أن عبدالملك بن مروان كشف أمره .
وكان روح الجذامي مكرما له عاما كاملا قبل أن يكتشف أنه عمران بن حطان الخارجي ، فطلب مني بعض الأفاضل شرحا لأبيات عمران فاعتذرت لتعب كان معي أمس .
ووفاء لهم وللعربية شعرت اليوم بنشاطا ؛ فعزمت على تلبية مطلبهم ، فبالله نستعين .
قال عمران بن حطان الخارجي :
يا روح، كم من أخي مثوى نزلت به
..... قد ظنّ ظنّك من لخم وغسّان
حتى إذا خفته فارقت منزله
....... من بعد ما قيل: عمران بن حطّان
قد كنت ضيفك حولا لا تروّعني
....... فيه الطوارق من إنس و من جان
حتّى أردت بي العظمى فأوحشني
...... ما أوحش الناس من خوف ابن مروان
فاعذر أخاك، ابن زنباع، فإنّ له
..... في الحادثات هنات ذات ألوان
يوما يمان اذا لاقيت ذا يمن
...... و ان لقيت معديّا فعدناني
لو كنت مستغفرا يوما لطاغية
..... كنت المقدّم في سري و إعلاني
لكن أبت لي آيات مطهّرة
.... عند التلاوة في طه و عمران .
.............................
يا روح ، كم من أخي مثوى نزلت به
...... قد ظن ظنك من لخم وغسان .
بعد هربه خاطب روح الجذامي وكان بمثابة وزير عبدالملك في بلاد الشام خاصة فلسطين ، فقد ترجم الإمام الذهبي له ، فقال هو أمير جذام في فلسطين ، فعمران يخبر روحا أنه نزل على رجال كثيرين من قبيلتي لخم وغسان ، وهاتان القبيلتان يمانيتان ؛ فلخم إخوة جذام وهم قوم الصحابي الجليل تميم الداري اللخمي ومساكنهم الشام في الجزء الجنوبي منه ، وقبيلة غسان أيضا يمانية وهم بطن من الازد إخوة الانصار ، ومساكنهم أيضا الشام خاصة سوريا ...
فعمران نزل على رجال من هاتين القبيلتين قبل نزوله على جذام وعلى سيدها روح بن زنباع .
وكل من نزلت عنده من هؤلاء الرجل ظن ظنك وهنا الظن بمعنى العلم واليقين أي علم أني عمران طريد الخليفة وأراد أن يسلمني له .
ثم يقول عمران :
حتى إذا خفته ؛ فارقت منزله
...... من بعد ما قيل : عمران بن حطان .
فلما علمت أن الرجل الذي نزلت به عرف أمري ؛ خفت أن يسلمني للخليفة ، ولعل الخليفة وضع جائزة لمن ألقى القبض على عمران وهذا عرفه أكثر الناس ؛ لأن عمران كان ممن يحرض الناس على الخروج بلسانه وأشعاره فهو من صنف القعدية ، وهم أخبث فرق الخوارج ، وهو أشبه اليوم بمنهج جماعة حسن البنا المهيجين للفتن وهم جالسون !!
وينتقل عمران إلى مدح روح الجذامي لما رأى من كرمه وطيب صفاته ، فقال :
قد كنت ضيفك حولا لا تروعني
...... فيه الطوارق من إنس ومن جان !
ففي هذا البيت تظهر حماية واكرام روح الجذامي قبل أن يعرف حقيقة أمره ، فقد عاش عمران متخفيا عند روح عاما كاملا لا يخشى إنسا ولا جآنا ، فهي ضيافة تامة وضيافة من الطراز الرفيع ...
ثم يقول عمران :
حتى أردت بي العظمى ؛ فأوحشني
...... ما أوحش الناس من خوف ابن مروان .
فيكتشف عمران أن مضيفه روح الجذامي علم بحالة ، وكونه من رجالات الدولة الأموية فوجب الإبلاغ عنه والقبض عليه وتسليمه للخليفة عبدالملك في دمشق .
وأن الخوف لحقه كما لحق أغلب الناس من ابن مروان ، ونحن نعلم أن الخوف من الخليفة لا يلحق إلا المخالفين والخارجين على السلطان أما بقية الناس ففي أمن وسلام مع سلطانهم ولعله يقصد بالناس من كان على طريقته المشؤومة ، لأن الخوارج من أعظم الناس احتقارا للمسلمين ولا يرون أحدا على الحق إلا من كان على طريقتهم فلذلك أعملوا السيف في المسلمين من ذاك الزمان إلى يوم الناس هذا !!
ثم يعتذر عن هروبه قائلا :
فاعذر أخاك - ابن زنباع - فإن له
..... في الحادثات هنات ذات ألوان .
فأنا لم أغادر جيرتك وضيافتك كرها فيك أو تقصيرا منك لأني صاحب سوابق وجرائم ذات ألوان ، لأني ممن يرى كفر السلطان والتحريض عليه .
ثم يصف تنقله بين قبائل العرب هاربا مشردا متخفيا من السلطان وأعوانه :
يوما يمان اذا لاقيت ذا يمن
....... وإن لقيت معديا فعدناني .
فهو إذا نزل على قبيلة يمانية انتسب إلى اليمن وقبائلها ؛ ليتم له المقصود من الحفاوة والاكرام ، وإذا نزل على قبيلة عدنانية ادعى أنه عدناني ومنهم ...
كل ذلك ليخفى أمره ولا يكتشف .
وهذا الفعل من عمران التنقل في ادعاء النسب ديدن بعض الخوارج ، ففي زماننا هذا رأينا خوارج أنسابهم عجمية من الشركس ينتحلون أنسابا ليست لهم وينتسبون إلى قبيلة عتيبة حنينا إلى جهيمان العتيبي صاحب فتنة الحرام في الثمانينات ، وأيضا فعل الدسيسة على منهج السلف أسامة عطايا عوض الله الفلسطيني المصري الذي انتحل نسب عتيبة !!!
ولا أدري سر الانتساب لهذه القبيلة وهي ليس لها فضل على بقية قبائل العرب !!!!!
يقول عمران معترفا بكرم روح الجذامي وحسن ضيافته له حولا كاملا :
لو كنت مستغفرا يوما لطاغية
..... كنت المقدم في سري وإعلاني .
فعمران يقول : لو كنت مستغفرا لطاغية ( خليفة أو أمير ) لكنت أنت يا روح المقدم على ذلك ، لأني وجدتك طيب المعدن عظيم الشأن !!
وسأستغفر لك في سري واعلاني .
وهذا هجير وديدن هذه النحلة تسمية السلطان أو الأمير من المسلمين بالطغاة والطواغيت وإلى الآن نسمعها منهم فهي من معجم ألفاظهم .
ثم يبين عمران سبب عدم استغفاره لروح الجذامي رغم معاملته الحسنة عاما كاملا آيات في سورة طه وسورة آل عمران تمنع من موالاة الطواغيت وتكفيرهم ، وهذا من فهمه الخاطئ وانزاله الايات على المسلمين ... !!
ولكن خوارج ذلك الزمان أكثر صدقا من وخوارج هذا الزمان ، فعمران بن حطان يمتنع من الاستغفار لروح لأنه صادق في نحلته أما عائض القرني والعودة والإخوان كالحرباة يستغفرون وإذا تاحت لهم الفرصة كفروا السلطان ودعو للثورة والفتن !!!