نتيجة محزنة ومؤلمة لما وصلت إليه حرية الصحافة في الاردن، الذي احتل مرتبة في ذيل القائمة عالمياً، ودول كثيرة متواضعة سبقتنا، تشريعياً على صعيد الحريات .
تراجع الاردن 3 درجات محتلاً المرتبة 138 عالمياً من أصل 180 دولة، والمرتبة 11 عربياً وفق تقرير منظمة مراسلون بلا حدود، مخيب للأمال لما آلت اليه الحريات الصحفية التي من المرجح أن تتسع درجة التراجع مع اقرار تعديلات قانون الجرائم الالكترونية .
منذ سنوات، يشهد قطاع الأعلام في بلادنا تدهوراً من جميع النواحي، من أزمات مالية،ادارية، مهنية،حريات (..)، الى ان وصل اعلامنا الى درجة الحضيض، نتيجة عدة عوامل، سواء من وسائل الاعلام ذاتها أو من الحكومة والتخبط التشريعي .
وسنركز هنا، على أزمة الحريات الصحفية وفق ما جاء بتقرير منظمة مراسلون بلا حدود، التي اشتعلت نتيجة تراجع التشريعات وتوسيع دائرة العقاب، خاصة في السنوات القليلة الماضية .
فمنذ فوضى انتشار المواقع الالكترونية وما أحدثه بعضها من اغتيال للشخصيات، ونشر للاشاعات، اربكت العمل الصحفي والسياسي في البلاد، واتجه المشرع الى تعديل قانون المطبوعات، وأدرج نصوصاً منظمة لها وأخرى مقيدة، جعل تعبير القارئ عن رأيه ونشره بصورة تعليق في الموقع الاخباري جزءا من محتوى الخبر يعاقب عليه ناشر الموقع ورئيس تحريره قد يصل الى حد الحجب والحبس، الامر الذي دفع الكثير من المواقع الاخبارية المحلية الى الغاء تعليقات القراء، والخروج من دائرة الاعلام التفاعلي، بسبب تغليظ العقوبات المانعة للحرية.
بعد هذا التشديد، لجأ المواطن الاردني، الى متنفس آخر ، هو مواقع التواصل الاجتماعي، واصبح كل مواطن صحفي ويستطيع النشر وبث الحدث بشكل مباشر من أي مكان يريده دون ترخيص أو حسيب أو رقيب، خاصة عبر موقع فيس بوك، الذي من الصعب أن تحجبه الحكومة، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مرتعاً خصباً لأصحاب النفوس المريضة لنشر الاشاعات او اغتيال الشخصية او حتى مس الاعراض.. الخ، فضاق صدر الحكومة ذرعاً بذلك، وقررت تشديد العقوبات من خلال اجراء تعديلات على قانون الجرائم الالكترونية .. !
الهدف المعلن لتعديل القانون .. نبيل، وهو حماية الاعراض واغتيال الشخصية وصيانة المجتمع، الا ان تعديلات القانون التي لم تقر بعد ستمس الحريات الصحفية والصحفيين بشكل لافت، اذ لا يجوز ان يعاقب صحفي على نشر خبر مهني، بموازاة من يعاقب على من ابتز فتاة ونشر صورها .. الخ ، فكان لا بد من حماية الصحفيين، والمضامين الاعلامية عند تعديلات القانون.
نحن في الاردن، نفتخر دائما - وفق ثقافتنا - بانجازاتنا وتفوق كوادرنا البشرية التي نعتبرها رأس مال بلادنا، فمواردنا الطبيعية شحيحة، والاستثمار بالانسان أنجع وحقق مبتغاه في فترة من الزمن، الا اننا في السنوات الاخيرة بدأنا نتراجع في جميع مناحي الحياة نتيجة تخبط في التشريعات واتخاذ القرارات واتساع دائرة الفقر، وعدم البناء على استراتيجيات حقيقية تنهض في البلاد لينعكس ايجابا على العباد ..!
الفرصة للنهوض مجددا بالحريات الصحفية قائمة ، ولا بد ان يتحقق ذلك، لتعزيز الرؤية الملكية التي تدعو دائما الى حرية سقفها السماء، ولا يعقل اننا نمضي قدماً في تطوير بلادنا والنهوض بها وما زلنا نعيش بتخبط تشريعي، وأنا على يقين أن ما يجري لا يتفق مع التوجهات المليكة التي تسعى الى الحداثة ومواكبة العالم في مناحي الحياة كافة، فلا بد لنا من الخروج من عقلية الماضي، علماً ان دستورنا نص في المادة 128 على أنه :" لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها" ... فما صدر وسيصدر من قوانين مقيدة مخالف لروح الدستور !.