التحول المفاجئ واللافت لتصريحات قيادات التحالف بأن الحرب ستستمر وفي نفس الوقت يسوق لحلول مرتقبة ، وكله مجرد ذر الرماد على العيون للتمويه بخلق موازاة وهمية لصوت الرصاص وآلة الحرب .. منها القول بأن السعودية لا تقبل بكيان مسلح على غرار ( حزب الله) في لبنان هو حق أريد به باطل .. وهو بداهة يُفهم من استقراء تلك التصريحات بأن استمرار الحرب هي حتى أعاده السلطة العميقة وليس أعاده الشرعية والقضاء على الانقلاب وبالطبع وليس بالضرورة قيادات النظام السابق بل من أسرته او بعض رموزه سواء قيادات عسكرية او حتى مدنية وسوا كانت من الهضبة او من غيرها .. لقد بدأ الرأي العام يدرك حجم المؤامرة التي بدأت تتضح معالمها من خلال الأفعال لا الأقوال ومن واقع الإيقاع البطئ لهذه الحرب لأكثر من ثلاثون شهراً والتي شنت تحت لافتة إنهاء الانقلاب الذي وقع بسبب تحالف الرئيس السابق مع الحوثيين لإفساد الفترة الانتقالية ومخرجات الحوار الوطني لنحو عام وشارك طرفا الانقلاب فيه وكل ما جرى ويجري فقط نكاية بطرف سياسي تمت شيطنته لأنه احد مكونات ثورة الشباب في فبراير2011م الذي امتطى الحوثيين حصان التغيير ثم تحالفوا مع من يفترض انهم ثاروا عليه !
لكن انحراف الانقلابين عن الاتفاق المبرم حسب ما عرف بالمبادرة الخليجية اضطر التحالف لإضافة الانقلابيين وتحديدا الحوثيين في 2015 إلى ألقائمه لمجرد التمويه من جهة ولاستحالة التعايش مع نظام شمولي حوثي في اليمن ليستقر لهم الأمر بنظام مواليا كما كان منذ نحو أربعة عقود مضت ، فسياسة التحالف منذ ثلاث سنوات هي فقط لإحياء السلطة العميقة الجاثمة على اليمن لأربعون عاما مضت والقضاء على ثورة فبراير ومن شارك في دعم الثورة سوا كانت سياسية او حتى قبلية وعسكرية
ما يدعو للقلق ان رغم ان الانقلاب قد وصل لطريق مسدود ومكابر فأن الشرعية في المقابل يفترض انها قد التقطت تلك الإشارات من خلال كلمة وزير الخارجية اليمني في مؤتمر الرياض نهاية الشهر المنصرم أكتوبر التي أكد إنها على أساس المرجعيات الثلاث الوطنية والإقليمية والدولية.. والشرعية على هذا النحو إذا لم تقدم بديل مناسب يستند لمشاورات كل رموز الشرعية بعيدا عن إملاء التحالف بعد أن ثبت عجز التحالف عسكريا او سياسيا وما ترتب بعد تحرير عدن بعامين الذي يفترض ان تكون العاصمة المؤقتة نمُوذجا يُقتدى "وليس مسرحا للتصفيات السياسية" وبالتالي عودة الشرعية المفترض منذ بدايات 2016 فلو تم ذلك لما آلت إليه الأوضاع على ماهي عليه أصلاً سوى في صنعا او عدن .. فالحالة المؤسفة في عدن تطرح علامة استفهام واضحة لا تحتاج لتأويل وذكاء .. وفي نهاية المطاف كل هذا يكرس الانقلاب كحقيقة وواقع مؤلم ويزيد من شعبيته طالما تخاذل التحالف وخرج عن مساره المعلن بداية الحرب .
وموازاةً لإفرازات ما بعد تحرير عدن وبدلا من تحول ما سمى بالعاصمة المؤقتة لنموذج يُفتدى يؤسس لكيان جنوبي موازي لسلطة الانقلاب في صنعاء .!
وكذا وفي سياق حوثنة الدولة في صنعاء دأبت ميليشا الحوثي لتأسيس مداميك كيان طائفي شمولي صارخ أكثر تطرفاً وما بينهما معظم الشعب الذي يئن من الآمه .
وقياسا لهذه المعطيات ومسوغات واقع الحال يمكن استشراف المستقبل فالرؤية تبدو ضبابية للمستقبل القريب على الأقل ، ولا يعني ان نهاية هذه الحرب بشكلها الحالي سيكون نهاية المطاف لآلآم اليمنيين .. فربما بعد ان تضع الحرب هذه أوزارها قد تكون إيذانا لمرحلة أخرى من الصراعات البينية طالما من كانوا سببا لوصولنا لهذه المرحلة يتصدرون المشهد السياسي ويُراد إقليميا إحياء "السلطة العميقة"، فتجريب المجرب ضربا من الحماقة ، وما بٌني على باطل ينتج بداهة فشلاٌ محققاً.
فيكفي انه في عهد زعيم الفساد خلال نحو أربعة عقود عرفت اليمن أكثر من عشرة حروب منها ستة حروب مع الحوثي راح ضحيتها أكثر من خمسون ألف وهذا العدد يناهز يقارب حرب الستينيات ويزيد عما قتله الصهاينة ضد الفلسطينين لسبعون عاما مضت !
بات واضحاً بأن أولوية المجتمع الدولي اليوم هى مكافحة الإرهاب بالرؤية التي يرونها ، وليس كمفردة الإرهاب المفترض كما نراها نحن .. وهذا بداهة يجعل مستقبل اليمن يسير بنفس سيناريو العراق وسوريا وليبيا ، فكما تم تأسيس حشد شعبي وصحوات في العراق .. هاهو الإقليم اليوم تدعم النخبة الحضرمية وسواها خلاصة الأمر ان ما جرى ويجري هو فقط لإعادة تأهيل اليمن ليكون الحديقة الخلفية لجيرانه وفق مفهوم الدول التي شنت هذه الحرب تحت عنوان إعادة الشرعية وبأن الحوثي هو مجرد فترة مؤقتة ريثما يتم صياغة المشهد السياسي وفق " السلطة العميقة التي حكمت لأربعة عقود .
يكفي ان حالة تعز دون تحرير لأكثر من عامين يضع علامة استفهام حول رؤية التحالف ، وقد تعرضت مؤخراً لأعنف هجوم من ميلشيا الانقلاب على اثر تصريح للناطق الرسمي للحوثيين باستعدادهم للحوار من اجل تعز والجوف ولم يقول من اجل صنعاء وصعده وعمران باعتبار تلك المناطق غدت من "الحقوق المتكسبة" كأمر واقع.
لا شك ان ما جرى ويجرى خرج عن سياق المخطط لكل طرفي الانقلاب .. فصالح كان منذ تنحيه الشكلي عندما سلم خرقة ثلاثية الألوان في حفل كرنفالي بهيج وتفرغ في اليوم التالي للتنكيل باليمنيين وإفساد المرحلة الانتقالية وجعل من المؤتمر ذريعة ومسمار جحا للانتقام من خصومه فقط من اجل ( رئيس من بعدي اسمه احمد) لكن الزمام فلت من يديه وآخر حشد شعبي استطاع له هو في ذكرى تأسيس المؤتمر نهاية أغسطس الماضي ، والحوثي كان حساباته بعد سقوط صنعاء هي التغلغل في الدولة تدريجيا مستغلا عدم خبرة الرئيس هادئ وإسناد المؤتمر له .. لكن عاصفة العجز غيرت كل شئ واليوم كل الأطراف تتخبط بما فيها التحالف.
اليمنيون لا يتعظون من أخطاء الماضي ، والنُخب المتعاقبة التي يفترض انها تحمل مشاعل التغيير لا تحمل مشروعاً نهضوياً لإرساء دولة مدنية تسعى لتنمية اليمن وكرامة
المواطن في سياق وأجواء سياسة خارجية منفتحة دون تفريط في السياسة،تلك بداهة كانت أهداف ثورة الستينيات .. التي غدت كغيرها من المفردات مجرد قيم افتراضية نتغنى بها
يعتقد بعض السذج من اليمنيين بأن الرئيس السابق هو المُنقذ لخروج اليمن من هذه الورطة مع انه ابرز أداتها والمسئول الأول ، إلا إذا كان على أساس منطق "وداويها بالتي هي الداء" فلا يعقل من مهد لإسقاط الدولة يكون هو يكون هو المُرتجى !
ومن يوميات الحرب يستنتج بداهة بأنه ثمة محاولة لتفخيخ اليمن بكل عناصر اللإستقرار، وجعل الأمل في عودة الحياة السياسية الطبيعية مستحيلاً. فقد انحرفت الحرب عن هدفها المعلن وكأن استمرارها فقط لتصبح نمط حياة يومية بمدى زمني مفتوح وبلا حدود وليس كأداة لحسم صراع يتعذر حسمه عسكرياً، وعلى هذا يبدو بأن ستشهد في الأيام القادمة تحالفات جديدة لكنها لن تكون على طريق الحل بل على طريق استدامة الحرب ، الأمر الآخر كأن التحالف يريد ان يثبت عملياً في تفاصيل يوميات الحرب بأنها حربا يمنية سعودية ويدحض ما أعلن بأن مسوغات التدخل لإعادة الشرعية وبهذا ليس فقط سيلتف اليمنيون مع طرفي الانقلاب بل وحتى مستقبلاً بعد ان تضع الحرب أوزارها فالذاكرة اليمنية وإيقاع الشارع اليمني سيتمحور حول تداعيات وإفرازات الحرب المادية والمعنوية وستسخر إيران ذلك لعودتها بقوة بفضل هذا الحرب لليمن لاستغلال حالة الانتقام لمأرب واجدات إيرانية على عاتق شباب ومقدرات اليمن ، بمعنى معاناة الشعب اليمني سيضل سواء في زمن الحرب او بعد ان تضع أوزارها.
* كاتب وسفير يمني