بدءا من منتصف هذا العام 2017 و على معظم وسائل الإعلام و التواصل الاجتماعي، تم تداول مئات الصور والفيديوهات التي (حسب الادعاء) تصور وتوثق مستويات قياسية من العنف والقتل والحرق والاغتصاب و مشاهد "يندى لها الجبين" مما يتم وصفه (بالإبادة الجماعية) للأقلية المسلمة في (بورما/ميانمار) من (الروهينغا) والتي يثار الجدل حول طبيعة تكوينها و لجوئها و توطنها هناك من الأصول البنغلادشية.
إذا صح وثبت فقط بضع من تلك التسجيلات، فإن مجزرة حقيقية يتم توثيقها والحرص على تصويرها بحق المسلمين في بورما، ويظهر بوضوح في معظم التسجيلات أن السلطات ممثلة (بقوى الأمن والجيش البورمي) ضالعة بشكل رسمي ومعلن في تلك الكارثة الإنسانية، وهنا لا يمكن السكوت، و يتوجب تبني الإدانة الكاملة لكل عمل غير إنساني يلحق الظلم والأذى بأي إنسان دون وجه حق و بدون مجريات المحاكمات العادلة والأخلاقية.
دعونا نسبر غور هذه الحادثة قليلا و نتأمل ببعدي الزمان والمكان.
المكان: بورما (Myanmar) ، دولة ذات أغلبية سكان بوذيين، محاددة للصين، ومنها سوف يمر طريق تجاري دولي لنقل البضائع والمنتجات الصينية من مقاطعة (Kunming) إلى ميناء (Kolkata) في بنغلادش، مرورا بالهند و بورما طبعا، بما يسمى
(China/India Fast-track BCIM Economic Corridor Project )
والذي يحيي طريق الحرير التجاري التاريخي من الصين باتجاه أوروبا والعالم.
الزمان: عام 2017 حيث ينتهي وجود (تنظيم الدولة الإسلامية في العرق والشام د.ا.ع.ش) في المنطقة، و لا بد من استثمار طاقاته (الجهادية) في مكان آخر كبؤرة صراع جاذبة لأعضائه، لكي لا يتجه نحو أوروبا أو أميركا، وليس أفضل من بورما حيث يتم تسويق المذبحة بحق المسلمين هناك. فبورما سوف ترث (د.ا.ع.ش) كما ورثت سوريا والعراق إرث (تنظيم القاعدة) من أفغانستان، والعودة مازالت قريبة من المنشأ حيث باكستان وأفغانستان و بنغلادش قريبتان من بورما.
الزمان: عام 2017 حيث يهبط سعر النفط، وهذا من شأنه تقليل كلفة الإنتاج في الصين، كدولة مستوردة للنفط، وهذا من شأنه تقليل الأسعار للمنتج الصيني، مم يعني تنافسية أفضل أمام المنتجات الأمريكية والأوروبية.
الصين باتت تمثل الكابوس الحقيقي أمام الغرب كله، وجميع المؤشرات الاقتصادية و العسكرية و السياسية تؤكد بأن الصين سوف تقود حركة العالم في غضون عشرين عاما قادما. إذا ما الحل؟ الحل هو في زج الصين بأزمات داخلية وحروب و نزعات انفصالية، كيف سوف يتم ذلك؟
السيناريو: الصين نموذج يشبه الاتحاد السوفييتي سابقا، حيث الشيوعيون يقبضون على مفاصل دولة كبيرة بيد من حديد، ولا يوجد حريات ولا حقوق إنسان بما يكفي حسب نظرة الديمقراطية الأنجلوسكسونية، جيد؛ إذا يستحيل هزيمة دولة كهذه عسكريا في حرب مباشرة. وبالتالي لا بد من استنزاف موارد ذلك البلد في حرب لانهائية واستغلال التنوع الديني لتقسيم ذلك البلد وتفكيكه. تماما كما حدث بحرب الجهاد الأفغاني الذي أفلس السوفييت، و تماما كحرب التطهير الدينية في البوسنة وكوسوفو، حيث تم تفكيك يوغسلافيا.
كيف سيتم تنفيذ السيناريو؟
مبدأيا سيتم تسويق فكرة أن المسلمين يتم تصفيتهم في بورما، ولا بد من توثيق ذلك و تجهيز المادة الدعائية له، وبثها في أرجاء البلاد المسلمة، حتى تتعالى مشاعر الكراهية والرغبة في الانتقام. ولا بأس بإدانة دولية تنطلق من الأمم المتحدة.
المجاهدون جاهزون تماما، وهم مدربون كفاية للتوجه إلى بورما عن طريق باكستان و أفغانستان و بنغلادش، وقد يتم فتح الحدود وتسهيل سفر فلول (د.ا.ع.ش) من سوريا والعراق و ليبيا و اليمن، ليلتحقوا (بالجهاد البورمي)، بعد ذلك سوف تتورط بورما في حرب أهلية عبثية، من شأنها تجهيز الأرضية لتنظيم (مجاهدي بورما والسند) ليتوسعوا في حربهم لتشمل أوسع مساحة من بورما، من المتوقع أن يتم التنكيل والانتقام من السكان البوذيين هناك، لن تقف حكومة بورما صامتة أمام حجم الفوضى والدمار و الانتقام، قد تطلب مساعدة الصين بما أنها دولة بأغلبية بوذية تماما مثل بورما، ولكي يستمر العمل بالطريق التجاري المار من وسط بورما كذلك.
إذا ما تورطت الصين في حرب بورما كما تورط السوفييت في أفغانستان، فإن مستوى جديد من الأزمة سينشأ جراء ذلك، حيث أن الصين فيها من المسلمين ما بين 25 مليون حسب إحصاءات الحكومة، إلى 100 مليون مسلم حسب دراسات أخرى. فمن المتوقع أن يتم إثارة مسلمي الصين، و تحفيز نزعتهم الاستقلالية، تأثرا بالبعد الديني للحرب المتوقعة في بورما وموقف الحكومة الصينية منه. وهنا تبدأ المرحلة الفعلية من زج الصين في صراع طويل ومكلف ومن شأنه التأثير على قدراتها الاقتصادية.
إذا كتب لهذا السيناريو النجاح، فإن بورما ستمثل مغناطيسا للتطرف عبر العالم، و سوف يتم تدميرها بالكامل، والأهم أن يتم تعطيل المسارات التجارية من الصين باتجاه الأسواق الدولية، والأكثر أهمية أن تتورط الصين في حرب داخلية من شأنها تقسيم البلد و إعاقة مشروعها النهضوي.
الصراعات عبر التاريخ لم تخرج عن كونها صراعات على النفوذ والمصالح، لكن الساسة يفضلون تغليف وتسويق الحروب بنكهات متنوعة، وأبرز هذه التغليفات، الطابع الديني والعرقي والمذهبي، باتجاه البلقنة وتقسيم العالم لكيانات أصغر و قابلة للتبعية بشكل أكبر.