بلغت حالات الانتحار أرقاماً قياسية في المملكة، تعكس واقعا مريراً يعيشه المواطن، نتيجة ظروف قاسية كثيرة، على الحكومات التنبه اليها لمعالجتها وفق الطرق العلمية الصحيحة بعيداً على التنظير .
فعندما نعلم أن هناك 91 شاباً انتحر في العام الماضي، مقابل 26 فتاة بذات العام بمجموع 117 حالة بارتفاع ملحوظ بنسبة وصلت الى 22.2%. وفق احصائية أعدتها جمعية معهد تضامن النساء الأردني، نشعر بخطورة الأمر وتفاقم الازمة المجتمعية، وعلى المعنيين في دوائر صنع القرار أن لا ينتظروا الأخطر، والبدء بالاستعانة بالمختصين لدراسة القضية وصولاُ الى الحلول ومعالجتها، وعدم تجاهل هذه الظاهرة الاخذة بالانتشار بمجتمعنا الذي يرفضها ويعتبرها محرمة دينياً.
لعل أبرز مسببات الانتحار في بلادنا، اقتصادية مجتمعية، لما يعانيه المواطن خاصة الشباب من مستقبل مجهول، وارتفاع كبير في نسبة البطالة التي وصلت وفق اخر الاحصائيات الرسمية الى 18 بالمئة، ناهيك عن تجاوزات لا مسؤولة في بعض مؤسسات الدولة تخطف الفرص من الاخرين عبر الواسطة والمحسوبية التي ما زالت متسيدة المشهد في بعض مؤسسات الدولة.
بالاضافة الى العامل الاقتصادي، التجاوز على القانون بالقوة، سواء من خلال اساءة استخدام السلطة، أو تطويع القوانين لمصالح المتنفذين حتى تكون ممارساتهم قانونية وان كانت فاسدة، فنحن هنا نكون امام فساد مقنن محمي بالقانون ..!.
اما العامل النفسي،فهو انعكاس لعوامل اقتصادية واجتماعية عديدة قد يمر بها المواطن الاردني في حياته الحافلة بالمعاناة والمآسي، تسبب له الاكتئاب.
واشارت دراسات نشرت قبل سنوات قليلة الى اصابة 25 بالمئة من المجتمع الاردني بحالات اكتئاب وامراض نفسية مختلفة، كما ان عدد الاطباء النفسيين لا يتناسب وحجم السكان حيث يوجد طبيب لكل مئة الف مواطن، بينما الاصح ان يوجد طبيب لكل الف مواطن، كما انه ورغم قلة الاطباء الا ان نسبة الاقبال متدنية نتيجة عوامل مجتمعية ترفض ان يقال ان فلانا مريضاً نفسياً ، وبالنتيجة ترك المريض فريسة لافكاره الهوجاء التي قد تدفعه للانتحار نتيجة ضغوطات الحياة .
يجب الانتباه الى الحالة التي يبدو انها وصلت الى " ظاهرة" بشكل معمق، والانتباه لجيل الشباب الذين يشكلون نسبة سبعين بالمئة من الشعب الاردني، فليس من المعقول ان ينتحر كل ثلاثة ايام انسان خلال عام 2016 دون اجراء اللازم واتخاذ خطوات حقيقية من اجل الحد من جرائم الانتحار .
فالمطلوب تحقيق العدالة المجتمعية، وتعزيز أعداد الاطباء والمرشدين النفسيين والوعاظ الدينيين في مدارسنا وجامعاتنا، مع العمل على ايجاد مزيد من فرص العمل الحقيقية التي تعطي الشاب مستقبلا مشرقا وحياة كريمة لا فرص عمل برواتب لا تغطي نفقات المواصلات اليومية، فالمطلوب اصلاح قانوني واداري واقتصادي شامل والتنفيس على المجتمع بطرق علمية مدروسة لا بقرارات ارتجالية آنية ، فالشعب الاردني يستحق الكثير لنعمل من أجله! .