غدت الحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من عامين كملف منسي يكاد يتوارى ضمن ملفات أكثر سخونة في بؤر مشتعلة بالمشرق العربي تحديداً عند أولويات دول الإقليم والعالم على حد سوا !
حرب اليمن نظرا لكثرة تداولها إعلاميا غدت أمراً عاديا ومجرد خبر عابر ولا يحظى باهتمام وقلق حقيقي في أروقة دهاليز السياسة ولعبة الأمم ..
كًل الحوادث مبدأها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر !
كانت البداية حماقة ساسة فاشلين في إدارة المرحلة الانتقالية المفترضة بعد الخروج الشكلي للرئيس السابق والذي يعتبر جوكر الأزمة بل الأزمات على مدى أربعة عقود مضت التي شهد اليمنيون خلالها أكثر من عشرة حروب ، تأمرتْ مكروبات الدولة العميقة بسقوط صنعاء المدوي في 21 سبتمبر 2014 م ذلك اليوم الذي فتحت فيه أبواب جهنم لليمن ودخل نفق مظلم لا يعلم الله متى سيتجاوز اليمنيون المحنة .
كان لعاصفة العجز مسوغ عندما سبقها بأسابيع مناورات حوثية في شمال الشمال في الحدود السعودية متزامنا مع رؤية حوثية وخطاب إيراني بأن صنعاء غدت العاصمة الرابعة في أجندة إيران بالمشرق العربي .
أكثر من ثلاثة أعوام على انتفاش الظاهرة الحوثية بتواطئ يمني وإقليمي ، وأكثر من عامين على تداعياتها المتمثلة بهذه الحرب غدا المشهد اليمني اليوم متداخلاً وأكثر ضبابية وغموض عما قبل لدرجة فلت الزمام من بين الأطراف المتصارعة كلها سوى طرفي الانقلاب او الشرعية او حتى التحالف المنقسم على نفسه ، وبما ان معطيات ومسوغات واقع الحال السياسي واللوجستي العسكري تتماهى مع رؤية إقليمية ودولية تشير إلا ان الحسم العسكري غدا أمراً مستحيلاً فقد تم تصميم الحرب في اليمن لتصبح نمط حياة يومية بمدى زمني مفتوح وبلا حدود وليس كأداة لحسم صراع يتعذر حسمة عسكرياً ، فالحرب العقيمة العبثية اليوم تداخلت وتقاطعت مع بؤر أخرى في المنطقة وغدت اليمن مجرد ملف ضمن ملفات سوريا والعراق وليبيا وسواها ..
ازدواجية الإرادة داخل كل مربع من أطراف الأزمة زادها تعقيداً فطرفي الانقلاب جهتين كل منهما له رؤيته في مألات وتمنيات ما بعد الحرب وهو الامر نفسه لدول الإقليم الذي هو الآخر زاد تعقيداً بتفجر الأزمة الخليجية فجأة بين دول التحالف في الحرب ضد اليمن ، ناهيك عن تداخل أجندات قوى إقليمية أخرى إيران وتركيا والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن .
ووفق هذه التقاطعات لا يتوقع أفق قريب لأي حل سياسيا كان او حسماً عسكرياً فالازمة الخليجية الحالية منذ نحو شهر لا يتوقع لها نهاية قريبة بل مؤشرات توحي بأنها أما تدفع لعمل عسكري او تراوح مكانها كأزمة ربما لشهور او قد تطول .. ومن هنا فكل بؤر المنطقة متداخلة مع هذه الأزمة الجديدة ، السؤل المهم هنا ما مستقبل .
الشعب اليمني المنكوب بحكامه وفق هذه المسوغات المتداخلة والمصالح المتشابكة .. حالة يأس وقنوط تخيم على المشهد اليمني والرأئ العام اليمني الذي يقف موقف المتفرج اللبيب وكأن كل ما حدث ويحدث قدر مكتوب له.
تحديات تواجه النظام الإقليمي العربي في الذكرى المئوية (لسايس بيكو) تُشير لتحول لافت تحت عنوان (مواجهة الإرهاب) الذي بشرت به الإدارة الأمريكية في بداية عهد الرئيس ترامب الذي قسم العرب بعد قمة الخمسين في الرياض بشهر الماضي إلى عرب إرهابيين وآخرين مكافحين للإرهاب !
إجمالاً يمكن القول بأن الحرب الظالمة في اليمن قد تكون المسمار الأخير لبعض دول الإقليم ، فالظلم والعنف سيولد عنفاً منفلتاً دون ضوابط وعند انهيار "سد مارب" فر كثر من منبع العروبة إلى كل حدب وصوب وانتشروا في الأصقاع ، ولو انهارت " الدولة" في اليمن سيطال الشرر كل دول الإقليم " وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبون" ...
* كاتب وسفير يمني