تشاركت وسائل إعلام أجنبية وعربية في بث تحقيقات ونشر استطلاعات تتلخّص بأن العالم العربي يعلّق آمالاً كبيرة على زيارة الرئيس دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية بما تعنيه من إحياء لعلاقة تاريخية ومن تقارب وتفاهم واستعداد للتعاون في مواجهة مخاطر وتهديدات يستشعرها أهل المنطقة خليجاً وشرقَ أوسط ومغرباً. وقد ساهم البرنامج المبتكر للزيارة في صنع حدث غير مسبوق، مُظهراً الأبعاد السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية و«التويترية/ التغريدية» التي تفيد بنيّة مشتركة لتأسيس تحوّل عميق، ليس فقط في المفاهيم التي قامت عليها العلاقة الثنائية، الأميركية - السعودية، بل أيضاً في علاقة الولايات المتحدة والمنطقة العربية. فلا أحدَ يجهل أهمية المصالح ودورها لكن كل أحدٍ كان ولا يزال يسأل لماذا تتحوّل علاقة المصالح بين أميركا والكثير من الدول إلى تحالفات وصداقات راسخة فيما تبقى مجرّد روابط هشّة مع العرب رغم اعتدالهم الذي تمثّل بقبول وجود إسرائيل والتخلّي الرسمي عن خيار محاربتها منذ عهد جورج الأب، وكذلك بعدم التشويش على المفاوضات النووية والاتفاق الذي أفضت إليه في عهد باراك أوباما.
كان التطلّع إلى سياسة أميركية إيجابية رهاناً عربياً دائماً، لكنه لم يحقّق سوى نجاحات ثنائية ومحدودة، غالباً ما كانت واشنطن توظّفها في استراتيجيتها من دون أن تعمّم نجاحها عربياً وإقليمياً. الجديد هذه المرّة أن الجانبين يبديان إرادةً لبناء رؤية استراتيجية شاملة. كان أوباما وجد في بداية عهده أن ثمة ضرورة لمخاطبة المسلمين والعرب فقصد تركيا ثم مصر، ورغم أنه لم يأتِ من خلفية معادية إلا أن التطبيق العملي لأفكاره أدّى إلى نتائج عكسية إسرائيلياً وإيرانياً، وتعرّض العرب لأضرار فادحة من سياساته داخلياً وإقليمياً. والأهم أنه ارتكب أخطاء كثيرة وتركها بلا معالجة فيما كان يشق الطريق لانسحابٍ أميركي من المنطقة. لذلك كانت مسّت الحاجة إلى فتح صفحة جديدة مع أي إدارة أيّاً يكن رئيسها.
لم تكن خلفية ترامب ومواقفه مشجّعة، إلا أن وجود شخصيات خبيرة بالمنطقة في إدارته وشروعها في العمل سرعان ما أوضحا الصورة: لا يمكن أن تتعاطى أميركا مع مخاطر الإرهاب أو مع التهديدات الإيرانية كما لو أنها تعني العرب وحدهم، أميركا معنية بمواجهتها أيضاً وبشكل مباشر، ولا بدّ لها من شركاء، وهم موجودون، السعودية ومصر والإمارات والأردن، موثوقون، ويمكن التعويل عليهم، ولأجل ذلك لا بدّ من إشعارهم بأنهم يمكنهم بدورهم أن يعوّلوا على أميركا. لكن وجبت أيضاً إعادة بناء الثقة مع هؤلاء الشركاء، فلكلٍّ منهم ما يمكن أن يساهم به. وهكذا تحوّلت زيارات العاهل الأردني وولي ولي العهد السعودي والرئيس المصري وولي عهد أبوظبي إلى ورشة عمل أميركية - عربية في العمق. وكان واضحاً منذ محادثات ترامب مع الأمير محمد بن سلمان أن تقدّماً مهماً قد أحرز، فالرياض التي صمّمت على إحداث اختراق مهما كانت المتطلّبات والأكلاف التقت مع واشنطن التي كانت تبحث عن سلّة متكاملة لتحسم أولوياتها وخياراتها.
تلك الورشة هي التي مهّدت للقمم التي شهدتها الرياض وكرّست وضعاً جديداً يرقى إلى شراكة استراتيجية تجسّدها الاتفاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية وتكون الدول العربية والإسلامية شاهدة على ولادتها. وإذ حرص الرئيس الأميركي في مختلف اللقاءات على إبداء موقف عقلاني ومعتدل حيال الإسلام والمسلمين فقد اقترح عليه وليّ وليّ العهد السعودي أن يزور الرياض ويخاطب قمة تدعو إليها السعودية زعماء العرب والمسلمين، في ما يشبه التنقيح لما حاوله أوباما (يونيو 2009) حين وجّه خطابه من جامعة القاهرة. وهكذا شُقّ الطريق إلى الحدث التاريخي في الرياض، ليس بهدف «العلاقات العامة» وإنما لتدشين تحوّل سياسي - دفاعي مهمّ على الصعيدَين الدولي والإقليمي.
تزامنت لحظة بدء القمة الأميركية - السعودية مع إعلان طهران فوز حسن روحاني بالرئاسة، ورغم الإدراك العام بأن شخصية الرئيس الإيراني المنتخب لا ترجّح وحدها احتمال التغيير في السياسة، إلا أن طهران توجد اليوم أمام حقيقتَين لا يمكن إنكارهما: الأولى داخلية، وهي أن الناخبين الإيرانيين ذهبوا عكس ما فضّله المرشد و«الحرس الثوري»، والثانية خارجية، وهي أن تحالفاً ولد لتوّه في الرياض وأحد أهدافه وضع حدٍّ للتمادي الإيراني في المنطقة. ولعل الحقيقتَين متداخلتان في مؤدّييهما، فشعب إايران مثل جميع شعوب المنطقة، يريد الخلاص من سياسة تنتج الإرهاب والميليشيات. إذاً، مرحلة جديدة، ولا جدوى فيها من شعارات التحدّي والممانعة.