منذ اليوم الأول للحرب على سورية والجميع يدرك جيداً أن الغرب هو من يقود هذه الحرب، وهو من يخطط وينفذ عبر أدواته المعروفه " داعش" وأخواتها، وأن التحالف الذي تقوده أمريكا في الرقة ليس هدفه محاربة الإرهاب بقدر ما هو تكريس لنفوذها في سورية والمنطقة، والذي يأتي ضمن مشروع تقسيم المنطقة، وتفتيت الدولة السورية، من خلال السعي لإقامة كيان ذو طابع طائفي تابع لأمريكا سياسياً، بعد أن اعتادت التلاعب بورقة الإرهاب واستثمار ذلك في خدمة مصالحها وغاياتها المشبوهة.
مع تصاعد وتيرة المعارك في سورية على عدة جبهات، بدأ تنظيم داعش يفقد شيئا فشيئا مواقعه في الرقة المعقل الرئيسي له، وبدأ يبحث عن"عاصمة" جديدة له، بسبب التطورات الأمنية والعسكرية وتضييق الحصار عليه من الموصل والرقة المهددتين بالتحرير الكامل لتكون دير الزور "عاصمة" جديدة بدلاً عن الرقة، والدليل على ذلك فقد عمل التنظيم على نقل قادته وعوائلهم من الرقة والموصل إلى دير الزور، بعد خسارته في مدينة الباب و ريفي الرقة والموصل، وأسكنهم في الميادين والبوكمال وعلى أطراف نهر الفرات، بدءا من مدينة دير الزور وانتهاء بالحدود العراقية، كما يسعى لتحصين وتأمين حدود دير الزور من خلال مهاجمته قوات الجيش السوري التي تسيطر على عدد من أحياء المدينة ومطارها العسكري، بالتالي إن السبب الأول وراء تفكير "داعش" في اختيار هذه المنطقة المهمة من سورية تحديداً هو وقوع دير الزور بين الرقة والموصل يجعلها تحظى بأهمية استراتيجية لدى داعش، لتكون مركزاً عسكرياً للإمدادات لها، والسبب الثاني الذي رآه داعش وراء تفضيلهم التواجد في دير الزور الآن أكثر من أي مكان آخر هو الجبال المحيطة بها ونهر الفرات الذي يمر بها مما يجعلها قلعة حصينة يصعب على القوات البرية شن هجمات مباغتة عليها، ويجعل مسألة شن غارات جوية مكثفة غير مجدية وغير مفيدة، في حين كان السبب الثالث هو امتلاك دير الزور أكبر قدر من إمدادات النفط في سورية، الأمر الذي قد يساعد التنظيم على تغطية خسائره المالية خلال الأشهر الماضية.
وفي أحدث تطورات للمعارك ضد داعش، أعلنت قوات سورية الديمقراطية سيطرتها مدعومة بغارات التحالف الدولي على بعض المناطق شرقي مدينة الرقة ومطار الطبقة العسكري الذي كان يخضع لسيطرة داعش، ويترافق مع ذلك، إنزال للقوات الأميركية جوا قرب مدينة الطبقة التي تمكنت مع قوات سورية الديمقراطية من السيطرة على قرى بريف الطبقة الغربي، وقطع طريق الرقة حلب والسيطرة عليه، وتهدف هذه العملية إلى منع وصول الجيش السوري إلى الطبقة التي يسيطر عليها التنظيم، فأمريكا لا تريد تحرير مدينة الرقة ومن ثم تسليمها للدولة السورية خاصة مع الحديث عن نية لضم الرقة إلى النظام الفيدرالي الذي يحاول الأكراد إعلانه في الشمال السوري، مما يبرهن بما لا يدع مجالاً للشك عن وقوع الرقة بين فكي وطأة الخبث الأمريكي من جهة وبين سيطرة داعش وأخواتها من جهة أخرى خصوصاً بعد عملية التهجير القسري التي مارستها المجموعات المتطرفة بحق المواطنيين السوريين.
يغيب عن المتابعين والمهتمين لهذه العملية، نقطة مهمة وأساسية لا يمكن اغفالها وهي أنه لا يمكن من الناحية الميدانية والعسكرية، تحرير الرقة بشكل ناجح وفعال من دون اعطاء دور للجيش العربي السوري في هذه العملية، خاصة بعد التقدم الميداني السريع الذي يحققه حاليا في حلب وحماه وتدمر وريف دمشق، هذا ما يؤكد أن الجيش السوري وحلفاءه سوف يصبحون سريعاً على مشارف الرقة، الأمر الذي سيفرض نفسه ميدانياً وعسكرياً على خطة محاصرة الرقة، وبذلك سيمتلك الجيش السوري وحلفاؤه نقطة ارتكاز استراتيجية لمهاجمة "داعش" وأخواتها في تلك المنطقة، والتي ستفرض على التحالف الدولي إمكانية التنسيق مع الجيش السوري، كونه القوة الوحيدة التي يهمه محاربة الإرهاب وإجتثاثه من جذوره.
برغم كل ذلك تتجه الأمور في سورية للاستقرار تدريجياً خاصة في ظل الضربات الموجعة التي تتلقاها الجماعات المتطرفة على يد الجيش السوري، وهو الأمر الذي دعا التنظيم للبحث عن مخرج من الحصار الشديد الذي يتعرض له حالياً، لذلك لا يوجد أي خيار إلّا بسيطرة الجيش السوري على كل التراب السوري من أجل تحقيق الأمن والآمان للمواطن السوري، والمؤكد أن الإنتصار فى معركة الرقة التى تعتبر معقل داعش, سيشكل البداية الحقيقية لطرد مقاتليه من محافظة الرقة والمنطقة بأكملها, وهو الهدف الاستراتيجى للجيش العربي السوري والذي يواصل استعداداته اللوجستية والتكتيكية لإنهاء هذا التنظيم ومن ورائه، والمضي قدماً لاستكمال تحرير المدينة مستفيداً من الإسناد الجوي الروسي.
بالطبع، فإنني لستُ في حاجة إلى مزيد من الشرح إزاء أهمية الإصطفاف الوطني لمجابهة الإرهاب، لكنني أعتقد أن التذكير بخطورة الجماعات المتطرفة والإرهاب والتخريب وأهمية التعجيل بإعلان المصالحات الوطنية الشاملة أمر في غاية الأهمية، وسوف يؤكد حقيقة وأهمية هذا الإصطفاف، وبالتالي القدرة على إصابة هـذا الإرهاب وإزالته من الأرض السورية، وبإختصار شديد يمكنني القول، إننا اليوم أمام مرحلة تاريخية جديدة يجب أن نكون عند مستوى المسؤولية التي تقتضي منا الإصطفاف والتعاون والتكاتف والعمل بروح الفريق الواحد من أجل تحقيق الهدف الكبير الذي نسعى إليه جميعاً وهو إعادة بناء سورية الحديثة وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.