يشكل الحراك الشعبي الذي أشعل شرارته مجلس النواب الأردني بتخاذله عن الوقوف الى جانب أحد اعضائه البارزين احد مظاهر التغييرات العميقة التي شهدتها المؤسسه البرلمانية منذ اعتماد قانون الصوت الواحد الذي تغير شكله دون أن يتغير مضمونه حتى اليوم, فالبرلمان خسر هيبتة منذ زمن طويل ولم يعد مؤسسة معنية بالرقابة والتشريع ووضع السياسات, كما فقد استقلاليته وفشل في تمثيل الارادة الشعبية وتحول الى ذراع للحكومات مانحاَ لها الثقة ومدافعا عن قراراتها وسياساتها التي تنفرد فيها بالرأي والقرار والحكم واصبح البرلمان خصما للشعب لاسيما عندما يمارس اعضائة سلوكيات لاتمت للديمقراطية بصلة ، ويقدمون المصالح الشخصية و الضيقة على حساب المصلحة الوطنية والاعتبارات العامة.
النائب الدكتور صداح الحباشنة مارس حقة المشروع في التعبير عن رأيه بالحكومة وطالب برحيلها وهذا موقف سياسي للنائب ،جاء رد الحكومة عليه بانسحاب رئيسها من الجلسة بذريعة ارتبطات اخرى، وهذا اخفاق سياسي كبير ودليل واضح على ضعف الرئيس وضحالة تفكيره وعدم قدرته على المواجهة والرد وانه ليس برجل المرحلة ، على العكس تماما مما كان يتصرفه رؤساء حكومات تعرضوا لما هو لانتقادات اشد وأسوأ من اعضاء مجلس النواب من ما تعرض له الملقي من امثال مضر بدران وطاهر المصري وعبد الكريم الكباريتي وعبد السلام المجالي.
مجلس النواب كان موقفه أضعف من موقف رئيس الوزراء ومارس سلوكا مخجلا فأصبح مكشوفاُ وعارياً امام الجماهير الشعبية التي هبت لموازرة النائب صداح الحباشنة الذي اثمرت مواقف البرلمان نحوه عن انطلاق الحراك الشعبي الذي كانت كل المؤشرات تدل على انه في حالة بيات شتوي وانه سوف يستعيد زخمة ونشاطه لان شروط زواله لم تتوفر بعد.
ان انطلاق حراك الكرك وعودة حراك الطفيلة وذيبان سيتبعه حتماً حراكات في مختلف ارجاء البلاد تعبير عن رفضها للحكومة ومجلس النواب ، والكثير من اللذين يتولون المسوؤلية والقرار في البلاد , واللذين اثبتوا عجزهم وفشلهم عن معالجة الازمة ، وحاولوا الاستخفاف بعقول الناس فمارسوا كل انواع الخداع والكذب والتضليل.
لقد نجح مجلس النواب بمواقفه الضعيفه وانقياده للسلطلة التنفيذية في اسقاط نفسه شعبياً واسقاط حكومة الملقي سياسياً . فالنظرة الشعبية للمجلس والحكومة واحدة ويسودها انعدام الثقة وعدم الاحترام لابل الازدراء. الاردن هذه الايام يجلس على فوهة بركان قابل للانفجار في اي لحظة , انفجار اذا حدث لاقدر الله لايبقي ولايذر، والذين يطالبون اليوم برحيل حكومة الملقي يعبرون عن مطالبهم باسلوب سلمي وديمقراطي ، ولكن اذا ما نفذ صبرهم واستمر قلقهم على مستقبلهم فانهم قد يلجئون في الغد الى وسائل اخرى اذا ما استنفذوا الاساليب الديمقراطية السلمية في التعبير عن رغباتهم ومطالبهم وتحقيق اهدافهم المشروعة وامانيهم المستقبليه .
اليوم الآمال معلقة على حكومة انقاذ وطني من طراز جديد تتألف من شخصيات وطنية وازنة مشهود لها بالنزاهة والاستقامة لاتضم في تشكيلها أي وزير من حكومة الملقي, التي افلست وفقدت كافة مبررات بقائها ومن العبث عودة اي من اعضائها الى اي حكومة مستقبلية لقد وصلنا الى ما وصلنا اليه من اخفاق وتعثر من هذه الحكومة وما شابهها من حكومات سابقة باهته ولابد من انهاء عصر الوزراء عابروا الحكومات من كثير الاقوال قليلي الافعال ينفق عليهم أكثر بكثير من ما يسفاد منهم .
ويعول على حكومة الانقاذ الوطني ان تتخذ قرارات جريئة وتمارس الولاية العامة فعلا لا قولا, فتحدث اصلاحات جذرية في بنية النظام السياسي التي اصابها التكلس والجمود ويكون على رأس أجندة حكومة الانقاذ الوطني تعديل الدستور بما يجسد حقيقة اعتبار الشعب مصدر السلطات في الدولة وما يضمن تلازم السلطة والمسوؤلية ، وتعمل على استعادة مصادر الدولة التي تعرضت للنهب وتكافح الفساد وتقدم الفاسدين للعدالة , ونرى حيتان الفساد خلف القضبان وتسعى لصياغة خطط تنموية وطنية بعيداً عن اسلوب الجباية ، بحيث تؤسس حكومة الانقاذ الوطني لقطيعه مع المرحلة الحاليه التي كانت ابرز عناوينها الفساد والاستبداد والتضيق على الحريات وانتهاك الحقوق والفقر والجوع والحرمان والتهميش ، فالمواطنون في توق الى رجال دولة لا تجار سياسة وشعارات فارغة ، بحيث يشعر الاردنين انهم شركاء في السلطة والثروة وانهم يشاركون في ادارة شؤون البلاد بطريقه تكفل حقوقهم وحريتهم وكرامتهم ، أن عهد استبعادهم عن المشاركة في الشأن العام قد ولى الى غير رجعة .
اننا نأمل ان تكون حكومة الانقاذ الوطني نقطة انطلاق الاصلاح الحقيقي ، فتعود الامور الى نصابها وتتعزز مشروعية النظام السياسي وتضمن له الديموته والاستمراريه فالاستجابه للضغوط والمطالب الشعبية نقطة قوة وليس ضعف وكسر ارادة ، تحسب للنظام وولا تحسب علية وتوكد مرونته وقدرته على ادارة الازمة داخل الدولة بطريقه ديناميكية وديمقراطية بعيدا عن التشنج وسياسة القبضة الامنية ومعاندة ارادة الشعب ومسارات التاريخ .
ليس امامنا الكثير من الوقت أو الخيارات للمناوره او التفكير والتأمل وذلك من اجل الارتقاء الى مستوى تحديات المرحله وتتجاوز الازمه الحالية وحالة الاحتباس السياسي و تتضميد جراح الوطن والعبور الى شاطئ الامان بثقه وتصميم من أجل حياة افضل بالشعب الاردني الذي صبر وعانى ووهب واعطى الآف المرات اكثر مما اخذ ونال عبر مسيرة طويلة شاقة مليئة بالتحديات. حياة اكثر يسرا وعدالة واقل حرمان وتهميش وعنف .
نامل ان تجد هذه الدعوة الصادقة اذان صاغية وضمير وطني في هذا الظرف الدقيق فتزول الغشاوة والقلق والاضطراب ويشعر الناس بالثقة والاطمئنان بعد اتخاذ مايستدعيه الموقف من اجراءات.
اننا نجتهد في رسم طريق العمل هذا, نأمل ان تتحقق النتائج التي نتوخاها بالسرعة المطلوبة التي يقتضيها الموقف وبخلاف ذلك نكون قد ضللنا الطريق وربما وصلنا الى درجة من الانغلاق والتحجر والفساد والاستبداد فتزداد الازمة وتتعمق وعندها لانستطيع ان نفعل شيئا في وجه خطر محدق مؤكد يهدد أمننا وبلدنا ووجودنا ومستقبلنا .
وختاما نؤكد اننا نقول الاشياء بمسمياتها وحقائقها وتفاصيلها بكل شفافية وصراحه لاننا على يقيقن ان المسؤولية الوطنية والاخلاقية التي يتحملها كل منا في هذا الوطن تفرض علينا جميعا ان نحدد موقفنا بكل وضوح وامانة ورجولة وصراحة بما يرضي الله والضمير وبصوت مصالح البلاد والعباد.
ندعو الله ان يلهمنا الحكمة والرشاد ويهدينا سواء السبيل اللهم احفظ الاردن واهله وابعد عنه رياح الربيع العربي .
* استاذ العلوم السياسية جامعة اليرموك