لقد كتبت منذ أيام بأن سورية تمر بمرحلة صعبة جداً وخطرة، وسط غموض يكتنف مستقبل الحل السياسي للأزمة السورية، وعلى ضوء الدعوة لعقد مؤتمر جنيف بحثاً عن حل سلمي وسياسي لها والمقرر انعقاده في العشرين من الشهر الجاري برعاية الأمم المتحدة ترتفع وتيرة الجدل بين أطراف الصراع بشأن طروحات كل منها بينما تتباين التوقعات إزاء إحتمالات نجاح هذا المؤتمر من فشله.
يترقب الشعب السوري بأمل وتفاؤل، المفاوضات السورية -السورية، والتي تأتي استكمالاً للمحادثات التي عقدت في الأستانة عاصمة كازاخستان وخرج منها المتشاورون باتفاقات عدة في مقدمتها وقف إطلاق النار في سورية وإدخال المساعدات وتوحيد الجهود لمحاربة الإرهاب، وهذه الأمور تمهد وتهيئ البيئة المناسبة لمباحثات جنيف ونجاحها، بفضل تمكًن الثلاثي الروسي- التركي- الإيراني من جمع المعارضة المسلحة باستثناء المجموعات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة والحكومة السورية على طاولة واحدة من أجل محاولة إيجاد فضاء مشترك للبدء بمسار سياسي لحل الأزمة.
ولهذا تشير الأحداث السابقة جميعها الى أن كافة الأطراف اقتنعت أخيراً بضرورة تجاوز بعض التعقيدات التي كانت تحول دون إنخراطها في البحث عن حل سياسي للأزمة وقررت التوجه الى جنيف لعله يكون مقدمة لإنفراجة حقيقية تعيد الاوضاع الى سياقها الطبيعي في سورية، وانطلاقا من ذلك لاحظت الأوساط السياسية الاقليمية والدولية توجه المعارضة السورية تجاه العاصمة الروسية لبحث سبل جديدة للخروج من مأزقها الراهن، والتمهيد لإحياء مفاوضات جنيف من جديد، والى جانب روسيا تسعى بعض الأطراف الدولية الى تمهيد الطريق بين دمشق وجنيف حيث باتت المعارضة هي الأخرى ترغب في الخروج بحل سلمي يضمن لها ماء وجهها بعد الضربات الموجعة التي تلقتها من الجيش السوري وحلفاؤه.
مع أن المؤشرات تبدو قوية هذه المرة على إحتمالات النجاح ووقف نزيف الدم السوري منذ أكثر من 6 سنوات من خلال ما يظهر من جدية المعارضة وحلفائها في التعاطي مع وقف القتال من خلال المفاوضات الإنسانية المباشرة مع الحكومة السورية للتهدئة ووصول الجماعات المسلحة وحلفائهم إلى مرحلة الإنهاك والضعف بعد تشديد قبضة الجيش السوري على مدينة حلب ومناطق ريف دمشق ، بخلاف الضغوط الدولية والإقليمية لإغلاق الملف السوري للتفرغ لخطر داعش والتنظيمات المتطرفة فى المنطقة.
ومع اقتراب المشاورات في جنيف هل ستدخل سورية مفترقاً جديداً من الطرق التي قد تؤدي به إلى السلام المنشود الذي يطمح له السوريون خصوصاً بعد حالة الدمار التي عاشتها ولا تزال تعيشها سورية منذ عدة سنوات ؟ أم أن وضعها سيزداد تأزماً وستستمر الحرب الدائرة فيها وستقضي على ما تبقى منها وستظل حياة السوريون وأمنهم واستقرارهم معلق بين أطراف لا تعرف سوى لغة الفشل، وإجمالا يمكن القول ان دمشق باتت - وفق مراقبين ومهتمين بالشأن السوري- على موعد مع التحرير سواء عبر المحادثات السياسية او الحسم العسكري، بعد ان ضاقت خيارات الجماعات المسلحة وانحسرت بين الاستسلام على طريقة المفاوضات او المقامرة المحسومة التي تؤدي الى إنهيارها.
وبجميع الأحوال أتوقع أن تبدأ من جنيف حركة التحول من جحيم الحرب ومآسيها إلى وعود السلام المنشود من كل السوريون، وكلني ثقة في أن هذا المؤتمر سيكلل بالنجاح وسيخرج بالنتائج المرجوة منه في دعم مسيرة السلام والحوار والتوافق، وسيكون مؤتمراً تاريخياً توافقياً تصالحياً يبرز للعالم من خلاله الوجه المشرق للشعب السوري الذي ينشد السلام والأمن والاستقرار، فليكن مؤتمرنا هذا نقطة اشعاع ومحطة انطلاق لبناء سورية المستقبل.
وبإختصار شديد..... إن مؤتمر جنيف لا يحل محل الحوار الداخلي في سورية، وهو بالتأكيد لا يحل محل رأي الشعب، وإذا توفرت شروط الحل السياسي الحقيقي سيكون مؤتمر جنيف خطوة تمهيدية وناجحة لتجاوز الأزمة السورية، لذلك يجب على الجميع بذل المزيد من الجهود لإنجاح مؤتمر جنيف المنتظر عقده لتعزيز الحل السياسي في سورية، فهذا المؤتمر قد يكون آخر فرصة لإنقاذ سورية والمنطقة بأكملها من الفوضى والدمار، وإيصال سورية الى بر الأمان، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة على أن ما يجب التأكيد عليه بأن الحوار سيكون محطة نهائية حتى لو طال أمد الحرب في سورية.