قبل أيّام قليلة نقلت وكالة «رويترز» للأنباء ما كان يمكن في ظروف أخرى أن يكون خبراً عادياً، وربما مسلّيّاً. إلا أن صحف العالم ووكالاته ضجت به حتى حولته إلى عنوان كبير وموضوع للكثير من التكهن والتعليق.
الخبر ينصّ على ما يلي:
«قال المدير العام لإدارة الاقتصاد الدولي في وزارة الخارجية الصينية «تشانغ جون» إن بلاده لا ترغب في زعامة العالم ولكنها قد تضطر إلى لعب هذا الدور إذا تراجع الآخرون، وذلك بعدما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أول خطاب له إنه سيتبع سياسة «أميركا أولاً»».
وأوضح «تشانغ» أن الصين ليست لديها نية للسعي إلى زعامة العالم. وأضاف: «إذا قال أحد إن الصين تريد لعب دور قيادي في العالم فسأقول إنها ليست هي من تسعى لتكون في المقدمة، لكن اللاعبين الرئيسين تراجعوا تاركين المجال مفتوحاً أمام الصين».
الخبر الصيني سبقه خبر وواكبه خبر آخر. الأول هو ما تحدث عنه الزعيم الصيني «كسي جينبينغ» في منتدى «دافوس» الاقتصادي بسويسرا، حين أكد حماسته لحرية التجارة، وكان واضحاً أنه بهذا يرد على الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب المنحاز إلى مبدأ الحماية التجارية وتشديد الحدود وإقامة الجدران بين البلدان. والصين تحديداً بين أكثر البلدان تخوفاً من الحرب التجارية التي يلوّح بها ترامب، والتي يزيدها احتمالاً الخلاف حول تايوان وسياسة «الصين الواحدة» والخلاف الآخر حول بحر الصين الجنوبي.
أما الخبر المواكب فهو إقدام ترامب فعلاً، وبضربة قلم، على إلغاء الاتفاقية التجارية العابرة للمحيط الهادي، التي كان يُفترض أن تشمل 40 في المئة من حجم التجارة العالمية، وأن تؤسس سوقاً مفتوحاً على غرار السوق الأوروبية المشتركة، وإن فاقتها حجماً.
هكذا بدا أن أميركا تنسحب فعلاً من القيادة الاقتصادية للعالم، وتتيح للصين- صاحبة الاقتصاد الكوني الثاني- أن تتصدى للمهمة هذه. وبدورها لم تتأخر أستراليا وبلدان آسيوية أخرى عن التعبير عن رغبتها في عقد اتفاقات تجارية مع بكين تسد بعض ما يخلفه الفراغ الناجم عن الانسحاب الأميركي. وأمر كهذا لا يخلو من دلالات سياسية وعسكرية، حيث إن الدول المتخوفة من نفوذ الصين والتي كانت تعول على الحماية الأميركية، قد تفكر اليوم في استخدام الإغراء التجاري لترويض الصين وتجنب مواجهتها.
وفي المقابل، ولا سيما بعد إعلان ترامب أن حلف الناتو «بائد»، وبعد انتقاداته الشديدة للاتحاد الأوروبي، يجد الأوروبيون أنفسهم في وضع مشابه لوضع البلدان الآسيوية: فحيال خوفهم من روسيا- بوتين في ظل الامتناع الأميركي عن حمايتهم، وفي ظل شعورهم بالعجز عن مواجهة التحديات التي تهب عليهم من البحر الأبيض المتوسط جنوباً، فإنهم قد يرون في الصين الحليف الكبير القادر على مدّ يد المساعدة.
ولكنْ هل يستطيع الصينيون فعلاً أن يقودوا العالم بالمعنى الذي قادته به الولايات المتحدة الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟
أغلب الظن أن الجواب سلبي لأسباب كثيرة. فضخامة الاقتصاد الصيني وارتفاع نسب النمو لا يكفيان للطمأنة في ظل اقترانهما بنظام سياسي قائم على مبدأ الحزب الواحد، وحدود القانون الذي يلعب الدور الناظم للعملية الاقتصادية.
وفوق هذا فإن الصين-مثلها مثل روسيا- لا تملك المقومات الأخرى للزعامة العالمية. فهي لا تستطيع أن تصدّر إلى العالم ما توفره الزعامة على صُعُد الثقافة والتعليم والفنون والريادة التقنية والمعلوماتية. وإذا أضفنا الحجم المتواضع الذي تحتله اللغة الصينية على مستوى الانتشار الكوني، وجدنا أنفسنا أمام سبب آخر لا يشجع على التفاؤل بالدور الصيني.
وقد تنتهي الحال بعالمنا أمام فراغ قيادي غير مسبوق منذ عقود. وهذه، في آخر المطاف، كارثة على الجميع.
* نقلا عن "الاتحاد"