الشيخ أحمد هليل .. لم يهدر كرامتكم؛ إنهم البرامكة

mainThumb

23-01-2017 12:45 PM

من أهدر كرامتكم هم البرامكة الذين تناسلوا وتكاثروا وتزاوجوا؛ البرامكة الذين سرقونا ونهبونا منذ عشرات السنين وما زالوا هم وأبناؤهم وحفدتهم يتنقلون ما بين لقب معالي ودولة وسعادة وباشا وبيك، البرامكة الذين يرتحلون في مسار ثابت ما بين العبدلي والدوار الرابع، البرامكة الذين قويت عظامهم وتصلبت، وأصبحت عصيّة على الكسر أو الانحناء، أو أن يقربها قصاص أو عقاب. البرامكة الذين يرفلون في عزّ هذا البلد الأبي وخيراته، في حين ( يتمردغ) الأردنيون في مستنقعات الفقر والبطالة والطفر وغياب العدالة، البرامكة الذين في نياتهم المبيتة تجويع الأردنيين، والبلوغ بهم إلى حدّ اليأس والقنوط، ومن ثمّ قيادة الدّهماء إلى الشوارع بدعوى الإصلاح، ومن ثمّ تجييرهم والتّلاعب بهم وتحميلهم معاول هدم وتدمير البلد لا قدّر الله تعالى من أجل اللحاق بالدّول العربية التي سُوِّيت وتدمرت وتشردت، واللحاق بالتّدمير العربي الذين ضحكوا علينا بقولهم الرّبيع العربي، الذي ما هو إلّا عبارة عن خبث غرب وغباء عربان.
 
من أهدر كرامتنا هو السياسات الهوجاء التي من جرّائها أصبحنا هنودًا أو أوشكنا. نعم العروبة تسري في دمائنا وفي الـ DNAالذي عروقنا، ولكن العروبة في الوقت نفسه لا تعني أن أكون وحدي عروبيًّا والعربان من حولي يغلقون حدودهم على بني جلدتهم وأتحمل أنا وأبنائي وحدنا وزر غيرنا. مثل هذه السياسات الرّعناء التي شرّعت الأبواب والنّوافذ لكلّ شارد وهارب وسارق اكتنزت جيوبه بالدّولار والذّهب والفضّة فلم أستطع مجاراته بالتّملّك والامتلاك، وكانت المحصّلة أن سكنوا الفلل والقصور، وما زلت أنا وأبنائي نحبوا في الحواكير وبين الرّجوم.
 
من أهدر كرامتنا غياب العدل والعدالة بين الأردنيين؛ فـ ( جبر ) كُتب عليه أن يظلّ جبرًا هو وولده وحفيده؛ إذ إنّ شيفرته الوراثية لاتتأقلم ولا تتواءم إلا مع هذا( السّيستم)، وابن المعالي معالي، وابن السعادة سعادة، وابن الباشا باشا. تخيّلوا أنّ لواءً في الأردن اسمه لواء الكورة لايصلح أن يكون فيه عين أو معالي، لواء تعداده أكثر من مئة وعشرين ألف حرّاث، لواء لا تجد فيه سفيرًا ولا قنصلًا؛ فمقاس أبناء هذا اللواء لا تصلح لهذه المناصب ولا لأشباهها.
 
الفساد مدرسة؛ فيها( المعاليم) وفيها التّلاميذ، وكلٌّ يسرق وفقًا لحجمه؛ فمن يسرق أسطوانة غاز من حوش منزل مواطن معثّر يختلف حجمه عمّن سرق الفوسفات والعبدلي، ومن يختلس ساعة أسطوانة غاز يختلف حجمه عمّن يختلس النّفط أو مشتقاته. إنّ القاسم المشترك بين الفساد بحجميه هو الانحطاط بالبلد إلى الدّرك السفليّ من الهاوية. ما استشرى الفساد ببلد إلا وكانت نهايته الزّوال. الا ليتنا بقينا على زمن البراطيل التي خرّبت جرش كما كنا نقول أيام العزّ (والنّغنغة)، ألا ليتنا ما زلنا على علاتنا زمن كانت تنكة الزّيت أو خيشة تبن رشوة وأيّ رشوة.
 
واهم من يظنّ يومًا رؤية فاسد( سمين) وراء القضبان؛ إنهم يسرقون بقانون، ويرتشون بتشريع، ويسمسرون بتعليمات، ويمارسون كلّ ألاعيبهم وهم مسنودون بتشريع شرّعوه، وبقانون قوننوه.
( ميمعة) الشيخ ليست أشدّ وطأة من وطأة برامكة الأردن؛ فالشيخ اجتهد، وباجتهاده هذا لم يكن هو السبب في مديونية المليارات الستّة والعشرين، وباجتهاده هذا لم يتطاول على جيوبنا صباح مساء كما تفعل الحكومات المتعاقبة التي قصر إدراكها وعبقريتها على سبل التحصيل إلا جيب المواطن الذي حرص ويحرص وسيحرص أن يرتدي الوزرة اليمنية والعمانية التي تخلو من الجيوب لعلّ وعسى أن ( نفقس) الحكومات يومًا ما عندما لاتعثر على جيوب بعد اليوم.
 
رفقًا بالشيخ أيّها السّادة؛ فنيّته( في هذا الحدث تحديدًا) صافية. وما قاله الشّيخ هو ما يتداوله القاصي والدّاني وكلّ منصف، وهو ما يتناقله الكثيرون من عامّة ونخبة، ولا يعني هذا عدم وجود كثيرين أيضا أدانوا الشّيخ وهاجموه. اجتهد الشّيخ، وقد يكون قد أصاب وقد يكون قد جانبه الصّواب، وما يشفع له ـ وفقًا لما سُمع منه ـ أنّه لم يقصد المساس بكرامتنا قصدًا والله أعلم. إنّ من أوصلنا إلى ما نحن عليه مازالوا على كراسيهم ومناصبهم وامتيازاتهم، ومن ليس على كرسيه ستجد أنّه قد ورّثه لابنه أو حفيده أو نسيبه أو جاره الجنب. من أوصلنا إلى ما نحن عليه هم سماسرة الخصخصة الذين باعوا ( دلم) أو دنم الأرض بالعبدلي بنفس سعر دنم الأرض في وقاص أو تُبْنِة.
 
آه وآخ عليك يابلدي؛ فمنذ أن هجرنا السّنونو وارتحل بعشه إلى غير رجعة، امتلأت سماؤك وفضاؤك بغربان وصلعان ذوي سحن غريبة هجينة. فيما مضى، اعتدنا أن ( نتصبّح) بإطلالة وصفي التّلّ و( نتمسّى) بإشراقة هزّاع المجالي. الفرق كبير جدًّا جدًّا بين الرّجال والذّكور؛ فالذّكورة جانب بيولوجيّ يشترك به الجميع، ولكنّ الرّجولة تُكتسب بالعفّة والشّرف والوفاء لكلّ ما يمتّ إلى الأردن وأهل الأردن بصلة.
إنّ التّحذير الذي كرّره الشيخ ثلاث مرّات قد أفهمه من زاوية جوهرية أخرى؛ فعندما ترك العربان العراق وحيدًا، بل وتعاونوا ضدّه هاهو يرتمي في أحضان إيران المجوسيّة، وعندما هلّلنا للدّمار العربي وتخلينا عن سوريا الجارة الجنب ها هي ألعوبة في لهيب نار المجوس وغير المجوس، وعندما لم نحسن التّعامل مع الأزمة اليمنية، هاهم أخواننا هناك يتعثرون بين أيادي المجوس وضغائنهم منذ عهد الصحابة رضون الله عليهم، وفي غفلة منا نحن العربان جميعا أيضا تمدّد المجوس في لبنان حتى كادت عروبته أن تحيد عن الطريق. إنّ حديثي عن المجوس لا يعني بتاتًا الحديث عن الشيعة العرب؛ وإنني من أشدّ المعادين لكلّ فتنة طائفية أو مذهبية أيًّا كانت؛ فمثل هذه الفتن مآلها دمار واقتتال بين الأخوة في الدين الواحد.
 
أتذكّر كلمة قالها جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا لطارق عزيز وزير خارجية العراق ـ عندما كان هناك عراق ـ : ((مشكلتكم أنتم العرب أنّكم تتأخرون دائمًا خطوة إلى الوراء)). أي إننا لا ندرك الأخطار التي تحيق من حولنا إلا عندما تقع الفاس بالراس.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد