عادت التحركات الدبلوماسية في الملف السوري إلى الواجهة من جديد، من خلال لقاءات عقدها مسؤولين أتراك مع ممثلين عن المعارضة السورية وضبّاط روس في العاصمة التركية أنقرة، وهدفت هذه الإجتماعات لنقاش مسار السلام والحل السياسي للأزمة السورية، وذلك تجهيزاً للمفاوضات المزمع عقدها يوم الأثنين القادم في العاصمة الكازاخستانية آستانة، وتستثمر روسيا الكثير من الجهود في إنجاح هذا المسار الجديد الذي يعزز بدوره القراءة التي تؤمن بحتمية تقديم تركيا للمزيد من التنازلات مقابل إنجاح هذه المفاوضات، في هذا الإطار أصبحت موسكو هي باب الأمل والضامن الحقيقي في دعم الحل السياسي في سورية، بمعنى إن موسكو تعمل مع كافة الأطراف سواء من داخل سورية أو الأطراف الدولية والإقليمية، لإيجاد حل للمسألة السورية.
من خلال متابعتي لزاوية الحلول الحقيقية أَجد بأن جميع دول المنطقة أصبحت تبحث عن السلام والاستقرار والقبول بالحلول السياسية تجاه الأزمة، فمنذ الإعلان عن وجود حوار سوري - سوري في العاصمة الكازاخستانية برعاية روسية - تركية للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، ازدادت تباشير الحل السياسي لهذه الأزمة كون استمرار الحرب سيساهم في تدمير الدولة السورية والمنطقة بأكملها، فالمعطيات الميدانية، والتصريحات المتوازنة بين زعماء الغرب وحلفاؤهم، جميعها تصب وتتجه نحو الحلول السلمية بالطرق السياسية، التي تضمن مشاركة الجميع في بناء الدولة السورية، وتدفع باتجاه المزيد من المصالحات بين جميع الأطراف المحلية في مناطق الإقتتال، كما يجري حالياً في منطقة بردى والقرى المحيطة من دمشق العاصمة.
وبشأن حظوظ النجاح في إطلاق هذا المسار الجديد للسلام بسورية في ظلّ أجواء التصعيد السائدة، يخشى السوريون بعد هذه التطورات أن تحصل إنتكاسة لعملية وقف إطلاق النار في معظم المدن السورية، فمثل هذه الإنتكاسة ستكون لها تأثيرات كبيرة في الوضع كله، إذ إن الواقع يقول إن كافة الأطراف ستستخدم كل ما تملكه من إمكانات لتدمير الآخر، وسنجد أنفسنا أمام تطور خطير ينعكس سلباً على سورية ، لكن الجانب الإيجابي الوحيد أن روسيا وتركيا يضعان مطرقتهم على رأس الجماعات المسلحة لوقف الحرب التي إستنزفت مقدرات البلاد، فتركيا تمتلك القدرة على التأثير في العديد من الملفات، ولديها قدرة على التأثير على الكثير من الجماعات التي تقاتل الجيش السوري وحلفاؤه، وإنطلاقاً من ذلك أصبحت دول المنطقة تدرك جيداً أن استمرار الحرب في سورية سيؤدي إلى خلق بؤر صراع جديدة تؤثر في استقرار المنطقة والعالم،فهذه الدول لا تريد أن تبقى متفرجة حتى يتمكن تنظيم داعش وأخواته من السيطرة على أراضيها وتدمير مدنها، لذلك فإن على مختلف الدول إدراك أن هذه هي الفرصة الأخيرة لإعادة البلاد إلى سكة الأمن والإستقرار من جديد ونهاية الحرب والفوضى في المنطقة.
ويرى المراقبون للأحداث، أن اللقاءات الدولية والإقليمية حول سورية تشير الى وجود خطة معينة سيتم من خلالها التعاون مع النظام السوري بالقضاء على الإرهاب بكافة أشكاله، وبمشاركة جميع الأطراف كلاً حسب دوره، لذلك سنتوقع في الأسابيع المقبلة أن يكون هناك تحول كبير بالساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على إنهاء الأزمة السورية، كما أن هناك بعض الدول ستخسر رهانها بالحرب على سورية ويعود ذلك على أن المعارضة المسلحة أبدت تراخي ومرونة بالقبول بالحلول السياسية، أما داعش والمجموعات المتطرفة الأخرى فالأحداث والوقائع الميدانية تشير بأن دورها سينحسر ويتشتت، خاصة أن هناك أعداداً من الإرهابيين يبحثون عن طرق للهروب والعودة الى بلادهم.
الكل يبذل الكثير من الجهود في المشاورات والمباحثات الإقليمية والدولية لإنجاح هذا المؤتمر المنتظر لتعزيز الحل السياسي في سورية، فمؤتمر الأستانة قد يكون آخر فرصة لإنقاذ سورية والمنطقة بأكملها من الفوضى والطائفية، ومنع إلتحاقها بـالسيناريو الصومالي، ومن أجل أن ينجح المؤتمر في تحقيق أهدافه، يجب إشراك كافة الأطراف في فعالياته ومقرراته، وبالتالي إيصال سورية الى بر الأمان، والحفاظ على وحدة وأمن وإستقرار سورية، بمعنى أن نجاح خيار المصالحات السياسية، سيساهم في إنجاح الحل السياسي للأزمة السورية، خاصة أن روسيا وإمكاناتها الميدانية والسياسية، ستدفع بقوة باتجاه إنضاج الحل السياسي للأزمة السورية، فكل المعطيات تدفع باتجاه القول إن هناك إمكانية فعلية لنجاح الحلول السياسية مع صعوبة الحلول العسكرية.
مجملاً.... يعتبر مؤتمر الأستانة مفتاح حل الأزمة السورية وواحد من أبرز المحاور السياسية المهمة، وبارقة أمل كبيرة في الخروج من النفق المظلم والتوصل إلى حل سياسي يعطي الثقة للشعب السوري في الخلاص من الإرهاب، وخطوة مهمة باتجاه فتح الطريق للحوار بين مختلف المكونات السورية ، لذلك يُعتبر تاريخ 23 يناير الجاري، تاريخاً مهما يحمل في طياته بدء مرحلة جديدة وحساسة لسورية، خاصة بعد إنعطاف واستدارة تركيا نحو دمشق ، وشعورها بأن لهيب النار بدأت تحرق ثوبها من خلال إعتداءات تنظيم داعش على المدن الحدودية التركية وحتى داخل عاصمتها، وبإختصار شديد يمكن القول إن الوحدة الداخلية السورية ضرورة وطنية لمواجهة التيار التكفيري، لحفظ وحدة وأمن سورية، وإحباط المشروع الغربي لبناء الشرق الأوسط الجديد، لذلك لا بد للسوريين من إقتناص هذه الفرصة لإنقاذ سورية وإنهاء أزمتها المعقدة، لقد آن الأوان لنطوي الصفحات السوداء لهذا التاريخ ونبدأ عهداً جديداً تنتهي معه كل أسباب وعوامل التصارع ليحل بدلاً عنها التسامح والمحبة النابعة من إدراكٍ واعٍ بأن سورية وطننا جميعاً وليس لنا وطناً غيرها، وأختم مقالي بالقول لقد بدأت اللعبة تقترب من النهاية، بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري في حلب وبردى وريف دمشق و..و..و..، وتخلي أمريكا عن حلفائها في المنطقة، فسورية اليوم تمد يد السلام، ودول المنطقة تهفو وترحب بالسلام والوئام.. فمتى يتحقق هذا السلام في سورية؟!.