برغم إختلاف وجهات النظر في الكثير من الملفات الشائكة والمعقدة، أثار التقارب الروسي – التركي وتغير بعض المواقف الدولية بشأن الأزمة السورية سؤالاً مهم مفاده: هل ثمة حوار سياسي وشيك يجمع دمشق والمعارضة المسلحة على مائدة تفاوض واحدة؟، هذا السؤال وبرغم صعوبة التكهن بإجابته، بات مهماً وضرورياً خصوصاً بعد أن قبلت دول متعددة التفاوض، وتوحيد جميع الأطراف لضرب تنظيم داعش، ودعوة القوى الإقليمية المؤثرة كتركيا للضغط على الجماعات المسلحة من أجل القبول بالحل السياسي في سورية، والإنحراف التركي المفاجئ نحو إجتراح الحلول والحديث عن تفهمات سياسية بشأن المنطقة يعزز هذا الأمر،
من تابع تصريحات وتهديدات الرئيس اردوغان في بداية الأزمة السورية لا يمكن ان يتوقع تراجع نبرته تجاه سورية في هذه الفترة، لذلك يبدو ان تركيا اقتنعت أخيراً، على قبول الحل السلمي للأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية دون التهديد باستخدام القوة ضد سورية، إذ أكد أردوغان في كلمته أمام الإجتماع الأسبوعي بالمخاتير في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، إن هناك تطورات تبعث الأمل في الجهود التي تبذلها تركيا مع روسيا للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في سورية، وذكر أردوغان، أن حكومته تبذل جهودها مع روسيا لإنهاء الأزمة وتثبيت وقف إطلاق النار ودخول المساعدات الى سورية، وأعرب عن أمله في نجاح عملية وقف إطلاق النار، وإنهاء الأزمة السورية في أقرب وقت ممكن، وأضاف أن هناك ترتيبات جديدة ستنهي عملية الباب في سورية خلال فترة قصيرة وبعدها سيتم تطهير بقية المناطق التي تمركزت فيها التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها منبج، وفي الاتجاه الأخر صرّح وزير خارجيته بأن بلاده ترحب بالأطراف الراغبة بالمشاركة في اجتماعات أستانا، داعيا إلى ألا يكون حضورها فقط لالتقاط الصور التذكارية،بل لإيجاد حل سياسي ينهي الأزمة السورية.
الإعلان عن وقف اطلاق النار في سورية جاء بعد تقارب تركيا وروسيا الى حد بعيد، وصل الى حد تنسيق البلدين في العمليات العسكرية ضد تنظيم ما يعرف بالدولة الاسلامية في مدينة الباب السورية، ويعد هذا الإعلان خطوة تمهيدية لإطلاق مفاوضات سياسية بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة برعاية البلدين في العاصمة الكازاخستانية "الأستانة" أواخر الشهر الجاري، إذ ستلتزم المعارضة بتشكيل وفد، حتى 16 كانون الثاني الحالي، من أجل إجراء المفاوضات مع وفد الحكومة السورية الخاصة بالتسوية السياسية الهادفة إلى حل شامل للأزمة، بعد ذلك تبدأ المفاوضات في 23 في الأستانة، بمشاركة الأمم المتحدة، التي تستهدف التوصل إلى إعداد "خارطة طريق" لتسوية الأزمة السورية في أقصر وقت ممكن، وقد تبنى مجلس الامن بالإجماع قراراً دولياً يؤيد الإتفاق.
إن إرتداد الإرهاب على الدول التي دعمته وأزمة اللاجئين وتصاعد وتيرة التحالف السوري- الروسي بالإضافة الى صمود سورية وحلفائها لمدة ست سنوات هي سبب التحولات الحاصلة اليوم في المواقف الدولية تجاه سورية، وأمام هذه التحولات والتغيرات، نحن اليوم أمام إنعطافة حادة في مسار الحرب على سورية، أبرز ما فيها أن كل الأطراف أصبحت مقتنعة أنه لا يمكن لطرف التفرد في ترتيب واقعه الإفتراضي كما يريد، بدليل تغيير الخطاب الأمريكي في إعطاء دور أكبر لروسيا في إيجاد مخرج للأزمة، وإعتراف واشنطن بدور موسكو الإيجابي تجاه المسألة السورية من حيث ترحيبها بمشاركة كل من روسيا وتركيا فى الجهود الراهنة لحل الأزمة السورية .
كما عبّرالأتراك وسط الإضطرابات الأمنية عن قلقهم من أن تتحول بلادهم الى بؤرة جديدة للإرهاب، مطالبين حكومة العدالة والتنمية بتغيير سياستها الخارجية تجاه الدولة السورية، وباتوا قلقين من إنزلاق السلاح المتطور الذي يجري تهريبه عبر الأرض التركية الى الأراضي السورية الى أيدي المقاتلين الأكراد، وتخوفاً من جبهة قتال جديدة ضد تركيا، أدرك أردوغان متأخراً أن سقوط الدولة السورية لن يكون لمصلحة تركيا، كما كان يعتقد، بل إن انهيار الدولة سيؤدي بالتبعية إلى حدوث إضطرابات كبرى داخل تركيا ويدفع بالأكراد إلى إعلان دولتهم على الحدود مع تركيا، مما ستكون له تبعاته الحظيرة على وضع الأكراد داخل تركيا
في هذا السياق نحن مع الجلوس على طاولة المفاوضات ولكن على أساس وقف العدوان، فأي مفاوضات او حوارات بدون وقف الحرب لا جدوى منها وليس لها اي مدلول ولا تعكس حسن النوايا لدى تحالف العدوان بقيادة الغرب لإنهاء الحرب على سورية، بل إنها عملية مراوغة تحاول الجماعات المسلحة وأخواتها من خلالها تحقيق مكاسب لم تستطع ان تحققها على الأرض ميدانياً وعسكرياً.
مجملاً.....الكل يبذل الجهود في المشاورات والمباحثات الإقليمية والدولية لإيجاد حل سياسي في سورية، لذلك أرى أن هناك تحول كبير بالساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على تضييق الأزمة السورية، خاصة بعد أن هناك دول غربية بدأت تعيد حساباتها وتغير موقفها تجاه الأزمة السورية.
وإستكمالاً لكل ما سبق نقول أن سورية ستبقى موحدة أرضاً وشعباً مهما اشتدت وكبرت المؤامرات، وسيحافظ الشعب السوري على وحدته، مهما بلغت التضحيات، وبالتأكيد سيخرج المتآمرون مهزومين وسيفشلون أمام إرادة صمود سورية وشعبها وجيشها، وها هي الانتصارات في سورية تلوح في الأفق، حيث يتم تحرير مناطق طالما راهن الإرهابيون على احتلالهم لها، وسيكون العام 2017م بداية نهاية الإرهاب وأدواته ...وإن إنتصارات سورية تحمل بشائر متغيرات إقليمية ودولية لصالح استعادة سورية والمنطقة بأكملها الأمن والاستقرار والسلام.