على مدى سنوات طويلة تدخلت أمريكا عسكرياً فى مناطق كثيرة وبحجج واهية، وإرتكبت خلال ذلك جرائم عديدة لم تتم محاسبتها عليها، بل على العكس إستمرت في تزكية نيران الصراعات المسلحة في منطقتنا، كما تبنت قيام تنظيم داعش الإرهابي فى إطار الرهان على أكذوبة الشرق الأوسط الجديد تحت رايات الإسلام السياسي الموالى لأمريكا، وثفي هذا الإطار تعتبر أمريكا هي المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعوب العربية والوضع المتدهور الذي آلت إليه المنطقة بأكملها، وكان الهدف من حروبها الخارجية هو حماية مصالحها والسيطرة المطلقة على المنطقة مستخدمة سلاح التهديد بفرض العقوبات على الدول التي تعارضها ولا تخضع لإملاءاتها وسياساتها.
ومن هذا المنطلق فإن الأمريكان غير مستائين من أحداث العنف وأعمال الشغب في العالم العربي وذلك لأنهم سيستغلوا هذه الأعمال كوسيلة إستراتيجية للهيمنة على العالم، حيث دأبت أمريكا وحلفاؤها على نشر الرعب والخوف بشكل مباشر أو بالوكالة في المنطقة التي ولدت في مجملها طلباً عالمياً متزايداً على السلاح والمعدات العسكرية، كما عرفت كيف تسوق المبررات لإقناع الرأي العام بضرورة شن هذه الحروب، ولم توفر صناعات الموت جهداً ولا وسيلة لحث الدول على شراء الأسلحة الجديدة ذات التكنولوجيا العالية.
اليوم تؤكد صناعة الحرب أن أمريكا تربعت فوق عرش الفائزين بمليارات الدولارات من خزائننا، ناهيك عن الدماء التي تهدر في معظم الدول العربية كسورية والعراق واليمن، كما أن صناعة السلاح بأمريكا فى عهد الرئيس باراك أوباما شهدت إزدهاراً غير مسبوق، وأن أسهم مصانع سلاحها الكبرى لم تزل فى إرتفاع بفضل المعارك التي تشهدها منطقتنا العربية، وأن التقديرات المستقبلية تعطيهم مؤشرات إيجابية بأن الحروب في المنطقة لم تنتهي بعد، هذا يعني المزيد من بيع الأسلحة وإرتفاع الأرباح، وإنطلاقاً من ذلك تعتبر واشنطن بأن السلاح الأمريكي هو سفيرها الخفي الذي يعمل من خلف الستار على توثيق العلاقات مع الدول الأخرى أو مع حركات انفصالية تدين مستقبلاً بالولاء والتبعية لها.
في هذا السياق نمت صادرات السلاح الأمريكية خلال فترة رئاسة أوباما وحدها بنسبة 54%، وخلال العام الماضي فقط، حيث باعت أمريكا سلاحاً بما يعادل 47 مليار دولار وهو أعلى مستوى للنمو في ظل أي إدارة منذ عهد الرئيسين ترومان وايزنهاور في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ويرجع الفضل الى خلق ما يسمى بـ"ثورات الربيع العربي" وإستغلال الأزمات وإستثمارها التي حققت أمريكا من وراءها مكاسب بآلاف المليارات من الدولارات وذلك على حساب جثث الشعوب العربية ودماؤها.
كما ستظل المكاسب الأمريكية مستمرة مادمت الحروب مستمرة بين دول منطقتنا، و سيظل المنتصر الوحيد حتى الآن هو أمريكا وشركاتها الحربية كشركة ريثيون ونورثروب جرومان وجنرال دايناميكس وغيرها من الشركات الأمريكية، التي لا يرعبها سوى هاجس واحد، هو السلام والتضامن بين دول المنطقة، وبالتالي فإن من المتوقع بأن شركات صناعة السلاح الأمريكية التي شهدت مبيعاتها الدولية نموا قوياً في عهد الرئيس أوباما أن تستمر في الإزدهار في عهد الرئيس ترامب بفضل استمرار المخاطر الأمنية في الشرق الأوسط وتنامي التوترات في آسيا وأوروبا.
ومن هنا كانت الرسالة التي نقلها الشعب السوري لكل من يهمه الأمر، واضحة لا لبس فيها، قالت الرسالة: " نحن نحب هذا البلد، ومهما كانت المتاعب والصعوبات، التى نعانيها فيه، فلن نسمح للتنظيمات المتطرفة وأعوانها بتخريبه أو تدميره أبداً، فسورية يعشقها السوريون، ولن يفرطوا أبدًا فى استقرارها وهدوئها، وكما نجح أبناؤها في حرب تشرين التحريرية سينجحون في طرد الإرهاب وأدواته من سورية".
وفي الختام، هناك سؤال مهم يتكرر طرحه هو: هل تستطيع الأمم المتحدة التي تقف عاجزة أمام نزع السلاح وإلغاء المصانع التي تصنعه، من إصدار قرارات تلزم الدول الكبرى بيع أسلحة الى الدول لإستخدامها في الصراع في سورية ؟، في الوقت التي تعمل أمريكا على عرقلة العمل بالتخلص من مصانع وترسانات الأسلحة على كافة المستويات بالتواطؤ مع وسائل الإعلام الكبرى التي لا تتوقف عن التحريض والتعظيم وتشجيع العسكريين محبي الحروب على المضي قدما ضاربة بعرض الحائط كل الإتفاقيات والقرارات الدولية والجهود العالمية الرامية إلى إرساء السلام العالمي، لذلك لا بد من اللجوء إلى توعية الرأي العام وترسيخ دورالإعلام في تبيان مخاطر التسليح ونتائجه الكارثية على كافة الصعد في المنطقة، وأن يعي العرب خطورة ما تقوم به أمريكا وحلفاؤها من أهداف سعياً لتعزيز أمن إسرائيل والسيطرة على مقدرات بلادنا.