ستة أوراق نقاشية نشرها الملك عبدالله الثاني منذ عامين ونيف طالعناها بتمعن وأعدنا قراءتها مرة تلو المرة لنجد أن هذه الأوراق تتناول قضايا مهمة وحيوية تراوحت موضوعاتها من الديمقراطية إلى سيادة القانون ،والحقوق المدنية ، والفساد ،والقضاء وغيرها.
يمكننا أن نتفهم قيام الملك بالتركيز على هذه القضايا والدعوة إلى سيادة القانون والعدالة، ومكافحة التمييز والفساد، وقبول الرأي والرأي الآخر ولكننا نتساءل هنا أليست هذه القضايا موجودة في الدستور الأردني؟ ألم تنص مواد الدستور على مبدأ سيادة القانون وضرورة تحقيق العدالة؟ ألم ينص الدستور على أن الأردنيين متساوون أمام القانون وأنه لا تمييز بين الأردنيين على ضوء الجنس أو العرق أو الدين؟ وهنا أتساءل هل يتساوى أي أردني مع السيد وليد الكردي الذي صدر بحقه حكم محكمة ولم يتم تنفيذه ويدخل الاردن ويخرج بكل حرية؟وهل التعليم الموازي في الجامعات يتفق مع مبدأ المساواة التي يدعو إليها الدستور الأردني؟ وهل هذه المساواة تتجسد في نجاح مرشح للنيابة بما مجموعه 2700 صوت في حين أن مرشح آخر في نفس الدائرة الانتخابية يحصل ما مجموعه 10397 صوتا ولا يصبح نائب فأي مساواة هذه؟ .
وهل تعيين أكثر من 25% من أعضاء مجلس الأعيان ممن سبق لآبائهم وأن كانوا أعضاء في هذا المجلس ينسجم مع الدستور أم أن هذا من قبيل الصدفة؟ ألم ينص الدستور في المادة(15) على حرية التعبير والتفكير والاعتقاد؟ ألم ينص الدستور على أن الأردنيين يمكنهم التعبير والاحتجاج شرط إعلام الحاكم الإداري وليس بالضرورة أخذ موافقته ومع ذلك يمنع الأردنيين أو بعض شرائحهم من الاحتجاج على اتفاقية الغاز ، أو تغييرات المناهج ،أو الاحتفال بإفطار رمضاني أو تأسيس أحزابهم؟ .
ألم ينص الدستور على أن الملك ذاته مصونة وغير مسئول أمام المحاكم عما تفعله الحكومة مقابل أن الحكومة هي صاحبة الولاية العامة في إدارة شؤون البلاد الداخلية والخارجية فهل رئيس الوزراء و"وزيري" الخارجية يصيغون علاقاتنا الخارجية أم أن الملك من يقوم بهندستها وما على الوزير الدائم ناصر جودة إلا التنفيذ (وهذا بالمناسبة ما يقوله الوزير ذاته باستمرار)؟.
أما بالنسبة إلى الديمقراطية فالمواطن الأردني ليس هو من يعيق هذه الديمقراطية وإنما الحكومة تفعل هذا من خلال قوانينها العجيبة الغريبة ابتداء من قانون المرئي والمسموع، وقانون الانتخاب ،وقانون التقسيمات الإدارية ، وقانون الأحزاب الذي تحرص الحكومة من خلال صياغتها لهذه القوانين دوما على إبراز الهويات الفرعية والعشائرية والفئوية والإقليمية على حساب تطوير الأحزاب والتكتلات السياسية والانتخاب على أسس سياسية وليس أسس قبلية وطائفية ؟
المشكلة يا جلالة الملك ليس فيما تكتب أو تقول فهو يندرج تحت معاني الدستور والقوانين النافذة ولكن غير المنفذة .المشكلة أن مضامين هذه الأوراق النقاشية غير مطبقة ، وأن القوانين الصادرة بموجب الدستور ممهورة بتوقيع الملك نفسها لا يتم ترجمتها إلى واقع وإن تم ذلك فهو يتم بشكل مجزوء وأحيانا مشوه أو محرف.
مشاكل الناس يا جلالة الملك غير ذلك بكثير فهي تتعلق بالحقوق الممنوحة بغير وجه حق ، وحقوق ممنوعة بغير وجه حق ، وتنقلات تعسفية أو كيدية ، وإحالات على التقاعد في أوساط السفراء والمحافظين والمدراء والأمناء العامين يمارسها الساسة والوزراء ورؤساء الجامعات ... أبناء الكبار أو من يدعون أنهم كبار يتم تعيينهم في الديوان الملكي أو تسند إليهم الوزارات والسفارات وهم في أعمار مبكرة في حين أن الخبراء ،والدبلوماسيين ، وخبراء النفط والغاز، والتعليم العالي ، والقانونيين ، والمفكرين ،وأساتذة الجامعات ،والتربويين الذين امتلكوا نواصي مهنهم يتم استبعادهم على أسس نجهلها..
العدالة والنزاهة وحرية الرأي والمساواة والديمقراطية والهوية الوطنية ليست قضايا خلافية بالنسبة للأغلبية الساحقة من شعب المملكة الأردنية الهاشمية .القضية تكمن فيما يطبق على الأرض فهناك بون شاسع بين ما ينص عليه الدستور ومنظومة القوانين الصادرة بموجبه من جهة وبين ما يمارس في الجامعات والمؤسسات ودوائر الخدمة التي يتعامل معها المواطن مباشرة من جهة أخرى، بمعنى آخر فإن هناك قدرا كبيرا من الشكلية (Formalism) بين ما تنص عليه القوانين وبين ما يلمسه الأردنيون على ارض الواقع.
نقترح على ملك البلاد أن يتناول في أوراقه النقاشية المقبلة قضايا ومساءل متعلقة بتطبيق القيم العليا التي يتناولها الدستور ويتحدث عنها الملك في لقاءاته المختلفة فقضايانا ومشكلاتنا في التطبيق وليس في المبادئ والقيم العليا التي تتحدث عنها الأوراق النقاشية التي نحترمها ونحترم المعاني السامية التي تتضمنها فهل من مدكر...