لقد راسلني أخ عزيز مثقف يسألني عن بيت شعر لأحد شعراء ارومتي ( جذام ) وهو أبو الفضل جعفر بن محمد بن شرف الجذامي ، ولد في ( برجة ) ، وقيل : أنه دخل الاندلس مع أبيه ذكر ذلك المقري في كتابه ( نفح الطيب ... ) . ومهما يكن فقد انتشرت بطون حذام في بلاد الأندلس حتى كان منهم الملوك من مثل ( بنو هود نسبة الى هود بن عبدالله بن موسى بن سالم الجذامي ) ومن مثل ( بنو مردنيش ) . وقد ظهر فيهم الفحول من الشعراء كروح بن زنباع بن سلامة الجذامي ، ومن الملفت للنظر أن جذام وبطونها هم من يكثر فيهم الاسماء المشتقة من ( السلام ) ففيهم بكثرة هذه الاسماء مثل ( سالم و سويلم و سلامة و مسلم و سلام ) ، وكذلك في النساء مثل ( سالمة و سلمية و سلمي ... ) وقد عد بعض الباحثين ذللك من باب الفأل ؛ لكثرة حروبهم وغزواتهم ومن أبرز القبائل التي اتفق علماء النسب على جذاميتها خاصة مؤرخ الجزيرة العربية حمد الجاسر - رحمه الله - ( الترابين و الحويطات و الاحيوات و المعازة و الوحيدات ... ) . وعودا الى سؤال صديقنا المثقف العزيز عن بيت ابن شرف الجذامي الأندلسي ونصه : قامت تجر ذيول العصب والحبر ...... ضعيفة الخصر الميثاق والنظر . وهو بيت من قصيدة رائعة يمدح فيها المعتصم بن صمادح ملك مدينة ( المرية ) و مطلعها العسل في شهده : لم يبق للجور في أيامهم أثر ...... الا الذي في عيون الغيد من حور . والبيت الذي سأل عنه صديقنا فيه وصف للمحبوبة التي ذكرها الجذامي ؛ فهي تجر ثيابا من نوع ( العصب ) و ( الحبر ) والعصب ما شد وفتل غزله وصبغ قبل أن يحاك وينسج فلذلك يأتي موشيا وهي من فاخر الثياب وكذلك ( الحبر ) وهو جمع للحبرة وهي من ثياب اليمن هي والعصب والحبرة في الغالب اللون الأحمر وهو اللون المفضل عن البدو والبدويات ، وقد كتبت مقالا في ذلك بعنوان ( من الجآذر في زي الاعاريب ) منشورا في صحيفة السوسنة الأردنية . وكلمة تجر فيها من الايحاءات التي تدل على رغد عيش المحبوبة وعفتها وان الحياء غامرها ؛ لأن ( الجر ) دليل على طول ثيابها حيث لا يظهر من قدميها بريق ولا خلخال وهذا ما جاء في السنة بالنسبة لثياب المرأة من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ؛ فقالت أم سلمة : فكيف يصنعن النساء بذيولهن ؟ قال : يرخين شبرا ، فقالت : إذا تنكشف اقدامهن ، قال : فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه ) . فهؤلاء هن نساء الاسلام والعرب لا كما أراد أبو فرج الاصبهاني صاحب كتاب ( الأغاني ) الذي حشاه كذبا وافتراء على نساء العرب في عصورهن الزاهرة . ثم أخذ يصف خصرها بالضعف أي أنه ضامر ، وهي صفة جمال في المرأة . وكذلك وصفها بضعف الميثاق والوعود ، وهو مما يستحب في المحبوبة ، وهو إخلاف الوعد باللقاء وهذا من عفافها ! قال كعب بن زهير - رضي الله عنه - يصف مواعيد ( سعاد ) : أكرم بها خلة ، لو أنها صدقت ..... موعودها، أو لو أن النصح مقبول لكنها خلة قد سيط من دمها ..... فجع ، وولع ، وإخلاف ، وتبديل فما تدوم على حال تكون بها ...... كما تلون في أثوابها الغول ولا تمسك بالعهد الذي زعمت ...... الا كما يمسك الماء الغرابيل فلا يغرنك ما منت وما وعدت ...... إن الأماني والأحلام تضليل كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ...... وما مواعيده الا الأباطيل . وقال آخر : وإن هي أعطتك الليان فإنها .....لآخر من خلانها ستلين وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ...... فليس لمخضوب البنان يمين ! فهذا منهج الشعراء في وصف مواعيد المحبوبة اخلاف وتبديل ! وكذلك وصف ضعف النظر وهذا كمال الحسن والجمال ؛ فصفة ( مراض العيون ) من الممادح ، وذلك لأسباب منها : طول اهداب العين فهي تجد صعوبة في ضم رمشيها ؛ فهذا غاية الحسن وملاحة العين . او لأنها لا ترفع بصرها حياء وعفة ، قال تعالى : ( قاصرات الطرف عين ) أي يقصرن ابصارهن على أزواجهن . هذا ما عن لي حول البيت الذي أرسله لي صديقي المثقف ، ولولا الإطالة لتعرضت لمطلع القصيدة التي قالها ابن شرف الجذامي : لم يبق للجور في أيامهم أثر