يبدو أن استخدام مصطلح "موازي" لم يعد حكرا على الجامعات والطلبة وبرامج التعليم الموازي التي تستحلب مقدرات المواطنين، ولكن هذا المصطلح وجد طريقة أخيرا إلى السياسية .ففي تركيا يطلق التنظيم الموازي على فتح الله غولن الذي يتغلغل في معظم المؤسسات التركية المدنية والعسكرية وقد وجد الساسة الأتراك تسمية لطيفة لهذا التنظيم فأطلقوا عليه "التنظيم الموازي " ليشير إلى دولة داخل دولة.
اليوم وعشية تشكيل حكومة الدكتور هاني الملقي الثانية لاحظ الأردنيون تعيين وزير دولة للشؤون الخارجية وقد تساءلوا عما إذا كان هناك فرق بين مهام وزير الخارجية وشؤون المغتربين السيد ناصر جودة وبين مهام وزير الدولة المعين الدكتور بشر الخصاونة ،كما تساءلوا أيضا عن التداخل والازدواجية بين مهام الوزيرين المذكورين. من جانب آخر فقد طرح بعض الناشطين والمتابعين للشأن العام بعض التساؤلات ما إذا كان الأردن بحجمه وتواضع إمكاناته وقدراته ،وفي ظل محدودية علاقاته الخارجية التي تحتمها قدراته الاقتصادية المتواضعة وندرة موارده الطبيعية ، يتساءلون عن مدى سلامة خطوة تعيين وزير دولة للشؤون الخارجية؟.
في الوقت الذي نعتقد بأن الوزير الخصاونة هو ابن وزارة الخارجية (Career Diplomat) ولا ينقصه الكفاءة المهنية والشخصية للنهوض بمثل هذا الموقع ، فإننا على يقين بأن تعيينه جاء لأسباب مختلفة تماما عما يدور بأذهان المحللين والمهتمين بالشأن العام.
أولا :تعيين وزير دولة للشؤون الخارجية معمول به في بعض الدول مثل بريطانيا ومستعمراتها وكذلك فرنسا والدول التي تدور في فلكها ، ويمكن لوزير الدولة أن يضطلع ببعض المهام الخارجية التي يكلف بها من رئيس الدولة كما يمكن أن يقدم الاستشارات السريعة للرئيس التنفيذي للحكومة (الحزبية)آخذين بالحسبان أن وزير الخارجية في سفر وترحال دائم يحول حتى دون حضوره لمعظم جلسات مجلس الوزراء.
وزير الدولة للشؤون الخارجية ينسق كثيرا مع وزير الخارجية وفي بعض الدول يعمل تحت توجيه وزير الخارجية وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى أن تغيير السيد ناصر جودة استعصى على الرئيس الدكتور الملقي فوجد أن السيد جودة من القوة والثبات في موقعه الذي يحتله منذ عام 2009 لدرجة يتعذر عليه تغييره لصلاته القوية بالقصر ، فوجد من المناسب أن يجد وزير خارجية "موازي" بحث يمكن أن يكون الدكتور الملقي في صورة علاقاتنا الخارجية كيف لا وأن أبرز مهام رئيس الحكومة هي إدارة كافة شؤون الدولة الداخلية والخارجية!!
إن تعيين وزير دولة للشؤون الخارجية واختيار السيد بشر الخصاونة لإشغال هذا الموقع يساعد الرئيس على التركيز والاعتماد على الخصاونة في كثير من الامور التي هو بحاجة لمتابعتها ، وأن يكون في صورة علاقاتنا الخارجية على الأقل ما دام أنه لا يستطيع أن يسهم في صياغة هذه العلاقات .وعليه فإن اختيار الخصاونة لإشغال هذا الموقع يقلل من اعتماد الرئيس الملقي على السيد ناصر جودة الذي تتسم علاقته به بأنها فاترة ومفروضة .
من جانب آخر فإن إمكانية أن يقوم وزير الدولة للشؤون الخارجية بمهام ذات قيمه وفاعلية يعتمد على قدرته على التنسيق مع السيد ناصر جودة الذي يتعامل بشكل مباشر في الشأن الخارجي ، ولذلك فإن العلاقة بين الوزيرين جودة والخصاونة ينبغي أن تكون جيدة ليتمكن وزير الدولة للشؤون الخارجية من الوقوف على المعلومات والأنشطة والأحداث والعلاقات الخارجية بشكل مناسب. من هنا ونظرا للعلاقة الشخصية بين بشر الخصاونة وناصر جودة ،حيث عمل الوزير الجديد سابقا مديرا للمكتب الخاص في وزارة الخارجية ومستشارا لجودة، فإن هذه العلاقة يمكن أن تسهل من تدفق المعلومات وانخراط الرئيس الملقي ولو صوريا في صورة العلاقات الخارجية للدولة الأردنية.
على العموم نعتقد بأن الأردن ليس دولة عظمى مثل بريطانيا ولا فرنسا ولا الهند ليكون لدينا وزير للخارجية ووزير آخر للشؤون الخارجية بكل ما يحتمل الأمر من ازدواجية وتداخل وقلة فعالية ،وأن الأمر كله مرده إلى استعصاء تغيير السيد ناصر جودة من وزارة الخارجية نظرا لارتباطاته مع أولي الأمر مما دفع الرئيس هاني الملقي لتعيين وزير دولة للشؤون الخارجية يكون قريبا منه ويأتيه بكافة المعلومات ويضعه بصورة ما يجري في علاقة الأردن بالخارج وهي علاقات على ما يبدو أنها خارج قدرة وتأثير رئيس الحكومة الذي على ما يبدو أنه اكتفى بتعيين وزير خارجية موازي للسيد ناصر جودة..