الحلقة السادسة

mainThumb

12-07-2007 12:00 AM

مذكرات جورج تينيت «في قلب العاصفة» (6) ... أحداث 11/9 تفاجئ أميركا والعالم ...وجورج بوش شديد الانتباه رابط الجأش 
 
الحياة - 12/07/07// 
 في صبيحة يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001، اليوم الذي غيّر كل شيء، اجتمعت بالسيناتور السابق ديفيد بورِن على طعام الفطور في فندق سانت ريغيس، عند شارعي سكثتينث ستريت وكي ستريت في واشنطن في الثامنة والنصف. كان الرئيس خارج المدينة، مسافراً في فلوريدا، ما يعني عدم وجود إطلاع رئاسي يومي. وكان ديفيد جذبني من غياهب المجهول في سنة 1987 ليعيّنني كبير موظفي اللجنة المختارة للاستخبارات في مجلس الشيوخ التي كان يرأسها. وكنت أتطلّع، كما عهدي دائماً، إلى الاجتماع به في ذلك الصباح.
كنّا بدأنا نصل ما انقطع للتوّ عندما تقدّم نحوي تيم وارد، قائد مفرزتي الأمنية، وبدا القلق على وجهه. كان تيم شخصاً هادئاً رابط الجأش، كما يجدر بشخص في موقعه، لكنّ سلوكه بدا ملحّاً عندما قاطعنا بحيث لم يكن هناك مجال للشك بأنّ لديه شيئاً ما. نهضت عن الطاولة، فأخبرني بأنّ طائرة اصطدمت ببرج التجارة العالمي الجنوبي. وفهمت بأنّ معظم الناس افترضت بأنّ الاصطدام الأول كان حادثاً مأسوياً. ولم يتبيّن لهم أنّ هناك شيئاً سيّئاً يحدث إلا عندما صدمت الطائرة الثانية البرج الثاني. لم تكن تلك حالي. فقد كنا نعيش عن قرب مع احتمال حدوث هجوم إرهابي في الولايات المتحدة. وفكّرت على الفور في أنّ ذلك من صنع «القاعدة».
أبلغت السيناتور بورِن الخبر. وهو يذكر أنّني لمحت إلى بن لادن، وتساءلت بصوت مسموع ما إذا كان الموسوي ضالعاً في ذلك. واتضح لكلينا أنّ عليّ?Z المغادرة على الفور. ركبت المقعد الخلفي لسيارتي مع تيم وارد، وأسرعنا عائد?Zيْن إلى مقرّ القيادة.
بدأت كل النقاط العشوائية التي كنّا نتفحّصها تركب في نمط ما. وكما أذكر، كان رأسي في تلك الدقائق الأولى ينبض بالارتباطات. فكّرت على الفور في مؤامرة «بوجينكا» لتفجير اثنتي عشرة طائرة أميركية فوق المحيط الهادئ، وخطة لاحقة أحبطت في سنة 1994 لقيادة طائرة صغيرة وصدمها في مقرّ قيادة الـ «سي آي إي».
لقد قُلب عالمنا الأميركي الآمن رأساً على عقب. وقدمت الحرب على الإرهاب إلى شواطئنا.
في الطريق اتصلت بكبير موظفيّ، جون موسمان، وطلبت منه جمع الموظفين الكبار في غرفة الاجتماعات قرب مكتبي، إلى جانب كبار العاملين في مركز مكافحة الإرهاب. بعد انفلات كل شيء من عقاله، أصبح من الصعب تلقي المكالمات على الهاتف الآمن. وانقطعت عني الاتصالات إلى حدّ كبير بين سانت ريغيس ولانغلي، وكانت أطول اثنتي عشرة دقيقة في حياتي. ولم أعلم حتى وصلت إلى مقرّ القيادة أنّه فيما كنّا ننهب الأرض في شارع جورج واشنطن بسرعة مئة وثلاثين كيلومتراً في الساعة، اصطدمت طائرة ثانية بالبرج الشمالي.
عندما وردتني التقارير الأولى عن الطائرتين اللتين ضربتا مركز التجارة العالمي، كان الجنرال محمود أحمد، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستاني، وأحد الأشخاص الذين كان يمكن أن يقدّموا إلينا أكبر العون في ملاحقة أسامة بن لادن قبل 11/9، مجتمعاً في الكابيتول هيل مع السيناتور لندسي غراهام، والنائب بورتر غوس، الذي خلفني لاحقاً كمدير للاستخبارات المركزية، وآخرين. وبعد نصف ساعة كان محمود ينتقل بالسيارة في شارع كونستتيوشن أفنيو عندما أشار أحدهم إلى دخان متصاعد من الجانب الآخر لنهر بوتوم?Zك - الإشارة الأولى إلى أنّ البنتاغون قد تعرّض للضرب. وفي الوقت نفسه، كان شفيق بن لادن، أخو أسامة بن لادن المجافي له، مشاركاً في المؤتمر السنوي للمستثمرين في مجموعة كارلايل بفندق ريتز كارلتون، على ناصية مقرّ قيادتي، وعلى بعد بضعة مربعات سكنية من البيت الأبيض. وكان ثلاثة من ضباط الـ «سي آي أي» الكبار - تشارلي ألن ودون كير وجون روساك - مجتمعين في موعد معدّ منذ مدّة طويلة على طعام الفطور في الوكالة مع قائد البحرية كيرك ليبولد، الذي كان قائد المدمّرة كول عندما هوجمت في اليمن. تركّز قسم كبير من النقاش، بطبيعة الحال، على الإرهاب. وأبلغني المشاركون في الاجتماع من الوكالة لاحقاً انّ ليبولد كان مستاء لأنّ الشعب الأميركي لا يدرك الإرهاب بعد. وقال يلزم وقوع «حدث مؤثّر» ليستيقظ الرأي العامّ. وفي أعقاب الفطور، توجّه ليبولد إلى مركز مكافحة الإرهاب من أجل بعض الإطلاعات. وعندما ضُرب مركز التجارة العالمي بعد ذلك بدقائق عدة، توجّه تشارلي ألن إلى حيث يوجد ليبولد وأبلغه أنّ «الحدث المؤثّر قد وقع». ومن المدهش أنّ ليبولد أسرع عائداً إلى عمله، ووصل في الوقت المناسب ليشهد رحلة طائرة أميركان إيرلاينز 77 وهي تنقضّ على البنتاغون.
بعد مرور خمس سنوات، أجد أنّ من الصعب عليّ?Z وصف المزاج الذي كان سائداً في غرفة الاجتماعات عندما وصلت إلى هناك. أعتقد أنّ الساعة كانت تشير إلى التاسعة والربع صباحاً. وكان برجا مركز التجارة العالمي قد تعرّضا للضرب، ولا أعتقد بأنّ أحداً في الغرفة كان لديه أدنى شك في أنّنا وسط هجوم شامل نظّمته «القاعدة».
يذكر رئيس مركز مكافحة الإرهاب أنّه تحدّث إلى ديل واطسون، رئيس مكافحة الإرهاب في الـ «إف بي آي»، بنوع من الشفرة الغامضة طوال ذلك اليوم. وأعتقد بأنّ ذلك ربما ينطبق على معظمنا تقريباً. لم يكن ثمة ضرورة لإكمال الجمل، وكانت الأفكار شبه المعبّر عنها مفهومة تماماً.
كنّا نشهد ذلك منذ فترة طويلة، ونعدّ له بطرق مختلفة، لكن توقّع الهجوم شيء وحدوثه - مشاهدة انهيار مركز التجارة العالمي - شيء آخر. الأول عقلي، وسرعان ما أصبح الثاني غريزي، وكان مستوى الانزعاج في غرفة الاجتماعات في تلك الساعة الأولى غير عادي. بعد دقائق فقط على ضرب البرج الجنوبي، تلقّى مركز مكافحة الإرهاب تقريراً أنّ طائرة ركاب واحدة أخرى على الأقل مجهولة المصير. وفي الساعة العاشرة إلا ثلث صباحاً، شارك جون مكلوغلِن وكوفر بلاك في اجتماع متلفز مع ديك كلارك في البيت الأبيض. وفي ذلك الوقت كان البنتاغون قد تعرّض للضرب، وعرفنا أنّ مزيداً من الطائرات سائبة. وفي أعقاب ضربة البنتاغون، بدأت المكالمات ترد - لا من المخابرات بل أصدقاء وزملاء ينقلون الإشاعات التي كانت تستحوذ على واشنطن ويعبّرون عن أملهم في أنّنا نعرف ما الصحيح من الخطأ: انفجار قنبلة في الجناح الغربي للبيت الأبيض، واندلاع النيران في الكابيتول ووزارة الخارجية. والحقيقة أنّه لم تكن لدينا أي فكرة عما هو صحيح وما هو غير ذلك، لكن كان الجميع يتساءل، ماذا بعد؟ وردت تقارير عن أنّ طائرات عدّة لا تستجيب للاتصالات معها من الأرض وأنّها ربما متوجّهة نحو واشنطن. وذكّرنا العديد من ضبّاط مركز مكافحة الإرهاب أنّ أعضاء «القاعدة» بحثوا ذات مرّة ضرب مقرّ قيادة الـ «سي آي إيه» بطائرة، وكنّا في ذلك الوقت موجودين في طبقته العلوية.
أذكر أنّني سألت مايك هولفلدر، رئيس مفرزتي الأمنية، ما الذي يوصي به. أجاب «لنخرج من هنا. لنخلي المكان». كنت متردّداً. لم نكن نريد أن تظنّ القوة العاملة أو العالم أنّنا نخلي السفينة. لكنّني لم أكن أريد أيضاً المخاطرة برجالنا دون ضرورة، كما أشار أحد الموجودين في غرفة الاجتماعات إلى أنّ ثمة حاجة إلى بقاء قيادتنا سليمة وقادرة على اتخاذ القرارات في حال استُهدف المبنى.
في العاشرة صباحاً تقريباً، أُبلغ عدد كبير من القوة العاملة التي تربو على عدة آلاف لدينا بالذهاب إلى منازلهم. وسرعان ما انضمّوا إلى زحمة المرور الهائـلة التي كانت تخـنـق شـوارع واشنطن. وكان البيت الأبيض أخلي قبل ربع ساعة، بعيـد تعرّض البنتاغون للضرب. وفي مدينة نيـويـورك، بـدأ مجمّع الأمم المتـحدة الذي يضمّ اثني عشر ألف موظّف تقريباً بالإخلاء في الساعة العاشرة وثلاث عشرة دقيقة. وفي واشنطن دي سي، حذت وزارتا الخارجية والعمل والبنك الدولي حذونا بعد دقائق.
في البداية انتقلت قيادتنا العليا من غرفة الاجتماعات الملحقة بمكتبي في الطبقة السابعة إلى غرفة اجتماعات في الطبقة الأولى - وذلك أكثر أمناً لكنّه لا يزال غير حصين إذا ما جاءت طائرة واصطدمت بالمبنى. وبعد ذلك غادرنا المبنى بأكمله، خارجين عبر الزاوية الجنوبية الغربية من مبنى مقرّ القيادة وتوجّهنا قطرياً عبر حرم المقرّ إلى مطبعة الوكالة حيث أقمنا إمكانات عملانية مرتجلة.
بقيت مجموعة واحدة في مقرّ القيادة. كان كوفر بلاك يميل بقوّة إلى بقاء المئتي موظّف تقريباً العاملين في مركز مكافحة الإرهاب في مواقعهم في مركز ردّ الفعل العالمي في الطبقة السادسة المعرّضة جداً، حيث تعمل نوبة من ثمانية أشخاص بشكل روتيني، وفي منشأة أكثر أمناً وعديمة النوافذ حيث يوجد جلّ مركز مكافحة الإرهاب.
قال لي بعد أن أصدرت الأمر بإخلاء المبنى، «سنستثني مركز مكافحة الإرهاب من هذا [الإخلاء] يا سيدي لأنّنا بحاجة إلى عمل رجالنا على الحواسيب».
أجبت، «سيكون العاملون في مركز ردّ الفعل العالمي معرّضين للخطر».
«سنبقيهم في أماكنهم. لديهم عمل رئيسي يقومون به في مثل هذه الأزمة. ولهذا بالضبط لدينا مركز ردّ الفعل العالمي».
«يمكن أن يموتوا».
«عندئذ سيكون عليهم أن يموتوا».
ووفقاً لكوفر، صمتُّ قليلاً وقلت، «أنت محقّ تماماً».
الآن بعد تعرّضنا للهجوم، اكتسب مركز مكافحة الإرهاب، ببنوك بياناته الكبيرة وأنظمة اتصاله المتقدّمة، أهمية أكبر من ذي قبل. وعندما كنّا نبحث أمر البقاء أم الإخلاء، كان مركز مكافحة الإرهاب يرسل تحذيراً عالمياً إلى كل محطاتنا في العالم، يطلب منهم التوجّه إلى أجهزة ارتباطهم وعملائهم لجمع كل المعلومات التي يستطيعون الحصول عليها. وقد احترمت شجاعتهم التي لم تهتزّ وتفانيهم. فمقرّ قيادة الـ «سي آي إيه» مبنى زجاجي إلى حدّ كبير. وإذا ما استهدفته طائرة فسيرى رجال مركز ردّ الفعل العالمي قدرهم يطير نحوهم.
كان المشهد الابتدائي في المطبعة فوضوياً. كانت لدينا قدرات بدائية للحصول على كل البيانات والوصول إلى كل شبكات الاتصالات. وفي أعقاب ذلك، أدركنا جميعاً أنّنا بحاجة إلى دعم إضافي لقدرات الاتصالات عندما يطرأ موقف مماثل ثانية، وإذا ما طرأ.
أين كان الرئيس؟
كان الرجال يكافحون لتشغيل الهواتف والاتصال بمايك مورِل، مُطلع الرئيس، الذي كان مع جورج بوش في فلوريدا عندما ضربت الطائرة الأولى. وكما أبلغ مايك القصة في ما بعد، كان هو وكارل روف وآري فلتشر، المتحدّث باسم البيت الأبيض، راكبين شاحنة مقفلة في موكب سيّارات عندما تلقّى آري مكالمة، ثم التفت إلى مايك وسأل إذا كان يعرف أي شيء عن اصطدام طائرة صغيرة بمركز التجارة العالمي. اتصل مايك على الفور بمركز عمليّاتنا وأبلغ أنّ الطائرة لم تكن صغيرة. وبعد قليل، فيما كان ينتظر انتهاء اجتماع الرئيس بتلامذة في المرحلة الابتدائية ومعلّميهم، شاهد مايك ضرب البرج الثاني على التلفزيون. وفي وقت لاحق، على متن طائرة الرئاسة، سأل الرئيس مايك عن مجموعة فلسطينية متطرّفة، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي تبنّت المسؤولية عن الهجوم في الصحافة. ليس من المحتمل، أجاب مايك الرئيس. فليس لدى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القدرة على القيام بشيء مماثل. تقبّل الرئيس ذلك وأبلغ مايك أنّه يريد أن يكون أول من يعرف إذا علم شيئاً محدّداً عن الهجوم. كان مايك نحيلاً وشاباً وذكيّاً جداً، ويتحدّث بطريقة متقطّعة تصل إلى جوهر الموضوع بسرعة. وقد تدبّر هو وجورج بوش أمورهما بشكل جيّد على الفور. وكان مايك الرجل المثالي إلى جانب القائد الأعلى في أزمة كهذه.
--> بالتزامن مع إنشاء اتصال بالرئيس والفريق المسافر معه، كنّا نحاول الوصول إلى مكتبنا في مدينة نيويورك لتقويم ما إذا كان الجميع موجودين ونعرف أماكن وجودهم ومحاولة الحصول على أكبر قدر ممكن من البيانات. وكما يحدث في أثناء أي أزمة، واصلت الشواذات الظهور، كما أنّ الصفرات الغريبة التي ربما ما كانت تعني شيئاً في الأوقات الهادئة صار يمكن أن تعني أي شيء. على سبيل المثال: تتمّ متابعة الطائرات على أجهزة المرسل المجيب، ويصدر كل منها إشارة فريدة. كان بعض الخاطفين على الأقل في ذلك الصباح يعرفون كيف يطفئون أجهزة المرسل المجيب بحيث يصبح من الصعب تتبّع طائراتهم. والآن أخذت طائرة ركاب في طريقها إلى بريطانيا تصدر كل أنواع الزعيق، فيما يشتغل المرسل المجيب ويتوقّف. هل شنّت القاعدة هجوماً على القارتين؟ أخيراً حلّت المسألة - لم يكن هناك نوايا شرّيرة، بل ثمة خلل في المرسل المجيب – لكن، في الوقت الفاصل اتصلت بريتشارد ديرلوف، نظيري في جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني، لأبلغه بما نسمعه وما نعرفه.
على رغم أنّنا كنّا على يقين من أنّ «القاعدة» تقف وراء الهجمات، فقد كنّا بحاجة إلى إثبات، لذا طلب مركز مكافحة الإرهاب قوائم المسافرين على متن الطائرات التي تحوّلت إلى أسلحة في ذلك الصباح. وأبلغت بشكل لا يصدّق أنّ الردّ الابتدائي لبعض الموظفين (نسيت من أي جهة) كان أنّه لا يمكن إطلاع الـ «سي آي إي» على قوائم المسافرين. وبعد بعض التعليل اللطيف، وبضع رسائل من أربع كلمات لاحقاً، ظهرت اللوائح، وأسرع محلّل من مركز مكافحة الإرهاب إلى المطبعة. «بعض الأشخاص على متن إحدى الطائرات هم الذين كنّا نبحث عنهم في الأسابيع الأخيرة». وأشار إلى اسمين على وجه التحديد: خالد المحضار ونواف الحازمي. وكان ذلك أول إثبات مطلق لما كنّا موقنين منه منذ سمعنا بالهجمات: إنّنا وسط مؤامرة لـ «القاعدة».
في ذلك الوقت تقريباً، اتصل نائب الرئيس ليسأل ما إذا كنّا نتوقّع مزيداً من الهجمات. عندئذ كانت طائرة رابعة، الرحلة 93 لشركة يونايتد، سقطت في شاكنسفيل، بنسلفانيا. كان هناك سكون دالّ بالنسبة إلي. فقلت، «لا، أعتقد أنّهم فرغوا لهذا اليوم». كان ذلك نداء صادراً من أعماقي، لم يكن لدي بيانات، لكن نمط الهجمات المتعدّدة الاستعراضية ضمن نافـذة محكمة جداً للهجوم ينسجم مع ما نعرفه عن طريقة عمل «القاعدة» استناداً إلى الهجمات على السفارتين في شرق افريقيا، فقد وقعت الهجمات ضمن جدول زمني صارم، وبعد ذلك انتهى كل شيء.
غادرت مع موظفي المطبعة وعدنا إلى مقرّ القيادة في الواحدة بعد الظهر. كان الخطر قد زال في ذلك اليوم وفقاً لتقديراتنا، وكنّا جميعاً نشعر بالعزلة في المطبعة. أبلغني أحد كبار الموظفين لدي لاحقاً أنّه بعد مغادرة المطبعة بوقت ليس ببعيد، قال لزميل له إنّ هذه الهجمات ستعتبر إخفاقاً كبيراً للاستخبارات، وأنّ الزميل نظر إليه مشكّكاً وردّ بشيء من هذا القبيل، «لم?Z يكون ذلك فشلاً للاستخبارات؟ هذه الأمور تحدث. إنّها حرب. ونحن في معركة». لا أدري ماذا كان يمكن أن أقول في تلك اللحظة لو قدّم الاقتراح نفسه إلي. كانت أعداد القتلى في ارتفاع لتصل إلى الآلاف. وكانت الإشارة إلينا، أو لسوانا، بالبنان أبعد ما تكون عن تفكيري. لكن أعتقد بأنّ الملامة بدأت في مكان آخر. ربما كان لا مفرّ من ذلك. وربما هذه هي طريقة عمل واشنطن.
عقد اجتماع متلفز في الثالثة والنصف بعد الظهر منقول عبر خط آمن، مع الرئيس الذي حطّت طائرته في قاعدة أوفوت الجوية في نبراسكا، في طريق عودته المتعرّجة إلى واشنطن. كان الرئيس يتحدّث من مقرّ القيادة الاستراتيجية الأميركية تحت الأرض.
أذكر أنّه سألني من الفاعل باعتقادي. وأبلغته الشيء نفسه الذي أبلغته لنائب الرئيس قبل ساعات عدّة: «القاعدة». فالعملية بأكملها تبدو مثل عمليات بن لادن شكلاً وطعماً ورائحة، كما أنّ لوائح أسماء المسافرين أكّدت شكوكنا. وعندما أبلغت الرئيس عن المحضار والحازمي، توجّه إلى مايك مورِل بإحدى النظرات التي تقول، «كنت أحسب أنّني سأكون أول من يعرف». اتصل مايك غاضباً بمساعدي التنفيذي، تيد غيستارو، الذي كان ذلك يومه الثاني في العمل، طالباً رؤية النقاط التي أعددتها للمناقشة. فقال له تيد، «لا استطيع ذلك، إنّها محظورة». وردّ مايك، «محظورة على رئيس الولايات المتحدة»؟ كانت تلك من الانفعالات الصغيرة التي تحدث عندما يعمل الجميع تحت ضغط شديد. وسرعان ما تمكّن مايك من تمرير المعلومات التي لدينا إلى الرئيس عبر أندي كارد. وكان في نقاط البحث بعد ظهر ذلك اليوم تحذير تلقيناه من الاستخبارات الفرنسية يقول إنّ هناك مجموعة أخرى من الإرهابيين داخل الحدود الأميركية وتعدّ لموجة أخرى من الهجمات.
كان الرئيس طوال المؤتمر المتلفز شديد الانتباه ورابط الجأش، وفي الاجتماع الوجاهي معه في تلك الليلة تأكّد انطباعي الأول.
عندما وصلت إلى هناك، في وقت ما بعد التاسعة مساء، كان البيت الأبيض قلعة مدجّجة بالسلاح. كنت مشغولاً جداً في قراءة أوراق الإطلاع، فلم ألاحظ الحماية الإضافية التي وضعت. وما إن وقفت سيّارتي حتى رافقني حرس الرئيس عبر ممر طويل إلى الملجأ تحت الأرض، وهو مكان لم أزره من قبل ولن أدخله ثانية. كان الرئيس ونائبه هناك، إلى جانب ديك كلارك وكوندي رايس وكولن باول ودون رامسفيلد ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال هيو شلتون، وبعض الأشخاص الآخرين، بمن فيهم لين تشيني ولورا بوش.
أعرف أنّ «الملجأ تحت الأرض» يعني تحصينات من الأكياس الرملية وقذائف المدفعية التي تنفجر فوق الرؤوس. لم تكن الحال كذلك. فملجأ البيت الأبيض غرفة أوضاع مجرّدة ومحصّنة - لكن ثمة شعور محدّد شبيه بالحرب في تلك الغرفة، وفي ذلك اليوم شهدت من المشاعر في مكان واحد ما لم أشهده في حياتي: الغضب من حدوث ما حدث، والصدمة التي أحدثها، والأسف الغامر على الموتى، وإحساس لا يقاوم بضرورة الرد بسرعة كبيرة، وشعور متواصل بالخوف مما سيأتي. لقد أفرغت القاعدة ما في جعبتها في ذلك اليوم، أو هكذا اعتقدنا، لكن بيانات الاستخبارات الكثيرة كانت توحي أنّ ذلك ما هو إلا بداية سلسلة من أيام عدة. وفي هذه المرحلة المبكّرة، كان هناك خوف متنامٍ - خوف سينتشر في الأيام التالية مع ورود التقارير الجديدة - من أن يكون الإرهابيون أدخلوا سراً إلى الولايات المتحدة سلاح دمار شامل وأنّهم يعدّون لتفجيره.
في الثامنة والنصف ليلاً، تحدّث الرئيس من المكتب البيضاوي وخاطب الأمة بعبارات مثيرة للمشاعر وجازمة، بما في ذلك أول إعلان عما أصبح يعرف بمبدأ بوش. فقد أبلغ جمهوراً يربو على ثمانين مليون نسمة قائلاً، «لقد وجّهت موارد استخباراتنا وأجهزتنا الأمنية بأكملها من أجل إيجاد المسؤولين وسوقهم إلى العدالة. لن نميّز بين الإرهابيين الذين ارتكبوا هذه الأعمال وبين من يؤوونهم». بالنسبة إلى الـ «سي آي إي»، عنى المبدأ الجديد إلغاء القيود في النهاية. يوجد لدينا بالفعل خطط ملاحقة «القاعدة» وحماتها وحركة «طالبان» في أفغانستان، على السواء، وبإمكاننا الآن البدء بتنفيذها. ووسط الأحزان التي شهدها هذا اليوم، أدركنا أنّنا سنمنح أخيراً التفويض والموارد لتنفيذ العمل الذي نعرف أنّه واجب التنفيذ.
أتبع الرئيس خطاب المكتب البيضاوي باجتماع لمجلس الأمن القومي بكامل أعضائه في الملجأ نفسه. وصلت الأمور الآن إلى ما يعادل حكومة حرب. قبل ساعات فحسب، تحدّث كولن باول عن المشكلة من البيرو بعبارات ديبلوماسية: لقد أوضحنا لباكستان أن وقت الغموض والتورية قد ولّى. ربما كنت أميل إلى مزيد من الصراحة: صحيح أنّنا بحاجة إلى مساعدة باكستان؛ فهي البلد الأقرب إلى أفغانستان والذي لديه أكبر التأثير عليها. لكن وقت التحدّث إلى طالبان جاء ومضى. لملاحقة بن لادن وجيشه التابع، علينا إزالة الستارة التي يختبئ وراءها. قال الرئيس إنّ علينا دفع البلدان إلى الاختيار. وساهم نائب الرئيس في مناقشة عدد من الأسئلة المتعلّقة بإيجاد أهداف تستحقّ الضرب في أفغانستان. لكن ما أذكره أكثر من غيره عن ذلك الاجتماع أسلوب الرئيس، لا كلماته. لقد كان المسؤول المطلق الجازم والمصممّ. أكّد على إلحاح اللحظة وأوضح بجلاء، بالكلمة والمثال، ماذا يتوقّع منّا من حيث التفكير في كيفية الردّ.
لا شكّ في أنّ 11/9 كان لحظة مثيرة لنشاط رئاسة بوش، فقد حوّلته بطرق لا أعتقد بأنّ أياً منّا توقّعها تماماً، وقد أحدثت قيادته تأثيراً كبيراً.
كان موظفيّ?Z الكبار في انتظاري عندما قفلت عائداً إلى لانغلي في تلك الليلة. ينتهي السجل الرسمي لجدول أعمالي في ذلك اليوم عند الحادية عشرة مساء. لكنّني أعتقد بأنّ ذلك يعني أنّ دوتي هانسون ذهبت إلى البيت في ذلك الوقت. وأذكر أنّني غادرت مقرّ القيادة في الواحدة صباحاً تقريباً، حيث أخذت غفوة غير طويلة، واستحممت وبدّلت ملابسي. عدت إلى البيت الأبيض باكراً في صباح اليوم التالي. غير أنّ يوماً مثل 11/9 لا ينتهي في الواقع إلا وفقاً للساعة.
ذات ليلة، بعد أيام على 11/9، ذهبت أنا وستيفاني لزيارة طوم هيدنبِرغ للاطمئنان عن حاله بعد موت ميشال. كان لا يزال من الصعب تصديق ذلك. كان طوم يريد أن يشاهد بنفسه أين توفيت، لكن كان من المستحيل على المدنيين الاقتراب من البنتاغون، حيث لا تزال جهود استعادة بقايا من قتلوا في المبنى متواصلة. ركبنا في سيارتي وقادتنا مفرزتي الأمنية إلى البنتاغون. بعد عرض الشارات على العديد من حواجز الطريق، وصلنا أخيراً إلى منطقة تشرف على بقايا البنتاغون الملتوية. أحضر طوم باقة زهور لتركها في الموقع الذي قضت فيه زوجته وكثير غيرها. كان وجودي هناك مع طوم ومعرفتي بأنّ آلاف الأسر الأميركية تكابد الألم نفسه من أكثر الأشياء التي شهدتها إثارة للأسى.
غالباً ما كنت أنا وجون مكلوغلِن وجيم بافيت وكوفر بلاك نتحدّث في الأشهر التالية عن الضرر العاطفي الذي ألحقته الهجمات بموظفينا. كان الجميع يعمل ساعات إضافية، وكلهم مجهد. كنّا نواصل انتظار ردّ عاطفي والإعداد له، لا سيما رجال كوفر في مركز مكافحة الإرهاب، لكنّه لم يأت على العموم. وقد فقدت بنيتي العاطفية نوعاً ما على الطريق. اصطدمت بذلك وجهاً لوجه في اليوم الذي أعقب عيد الشكر.
كان يوم الجمعة ذاك أول يوم إجازة لي بعد أكثر من شهرين متتاليين، منذ نهاية أسبوع ما قبل الهجمات. كنت استنفدت كل الأدرينالين الاحتياطي الذي يشغّلني. في وقت ما في صباح استجمامي المفترض، ذهبت إلى واجهة منزلنا وجلست على مقعدي المفضّل وفقدت السيطرة على مشاعري. أياً كان الباعث، فقد مرّت الأحداث كلها أمامي في تلك اللحظة. فكّرت في الأشخاص الذين قضوا وما الذي فعلناه في الأشهر التي تلت. كيف حدث ذلك بحق السماء؟ أذكر أنّني كنت أسأل نفسي كيف يمكن أن أكون على رأس كل ذلك؟ ما الذي أفعله هنا؟ ولماذا أنا؟ لماذا أكابد ذلك؟ كانت الأسئلة تتطاير في عقلي. خرجت ستيفاني في ذلك الوقت. كنت بمفردي حتى تلك اللحظة، باستثناء المفرزة الأمنية التي تحرس بيتي من الشارع. وأذكر أنّ ستيفاني قالت لي، «يفترض بك أن تكون هنا. هذا شيء عملت من أجله طوال حياتك، وأمامك كثير من العمل». أخرجتني تلك الكلمات مما كنت فيه، لكنّه كان قاتماً، قاتماً حتى إلى ذلك الحين.
الأمر الوحيد الذي أخطأه كثيرون في شأن الـ «سي آي إي» و11/9، بمن فيهم لجنة 11/9 بقدر ما يمكنني القول، أنّ المسألة كانت شخصية بالنسبة إلينا. فمحاربة الإرهاب هو عملنا، وهي تسري في دمنا. وفي الأشهر والسنين التي أدّت إلى 11/9 تعاملنا مع ذلك على الأرض كل يوم. لإحباط الإرهابيين فكّكنا الهجمات وأنقذنا أرواحاً. وضحّينا بحيواتنا أيضاً مجازياً في غالب الأحيان، وحرفياً في بعضها.
* تصدر الترجمة العربية للكتاب عن دار الكتاب العربي في بيروت آخر هذا الشهر
 
نقلا عن //  الحياة //


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد