إن الحرب التي بدأت على سورية منذ عام 2011، من قبل التنظيمات المتطرفة وبدعم من الولايات المتحدة، هي على وشك أن تتحوّل إلى فشل ذريع، فأمريكا قد انتهكت سيادة هذا البلد من أجل الحفاظ على القبضة الأمريكية-الداعشية، خلافاً للذريعة المقدّمة بحجة مطاردة تنظيم القاعدة ووقف امتداد داعش وأخواتها إلى المناطق السورية، إذ قامت أمريكا وحلفاؤها بدفع عميلهم الداعشي للقيام بالعمليات الإنتحاريّة وإرتكاب المجازر والجرائم، التي تضمّنت بشكلٍ أساسي قصف الناس المدنيين العزّل، وذلك تماشياً مع ما كان يُدرّس في "المدرسة الصهيونية" في مجال الإستراتيجيّة العسكرية.
أمريكا تحارب داعش وأخواتها كما تقول من أجل تحرير المناطق من قبضتها، لكنها تدعم الميليشيات الدينية المتطرفة وتشجع المزيد من الفوضى والتمزقات الجارية في البلد على قدم وساق، نقطة الإنطلاق الأساسية في هذه المعادلة، ينبغي أن تكون من قراءة التصور العسكري الأمريكي لسورية، التي تعتبرها ساحة من ساحات إستنزاف روسيا، في المرحلة الراهنة، لا سيما أن واشنطن تشارك في الحرب الدائرة هناك بصورة مباشرة، من خلال تنفيذ ضربات جوية بالإضافة إلى إرسال عشرات المستشارين العسكريين، على عكس ما هو الواقع من جانب دمشق وموسكو وحلفاؤهم، الذين يضعون كل ثقلهم في هذه المعركة من أجل القضاء على المجموعات المتطرفة وتطهير الأرض السورية منها.
من حيث المبدأ، نجحت روسيا في تحقيق الأهداف السياسية من تدخلها العسكري، على رأسها منع إسقاط الدولة السورية والحفاظ على مناطق نفوذ أساسية، في الشمال والشرق السوري، بالتزامن، جاءت الضربة الأميركية لمواقع الجيش السوري في دير الزور، في مؤشر لرغبة واشنطن بالعودة إلى المخططات السابقة، القاضية بإفراغ المناطق الشرقية من أي تواجد لحكومة دمشق، عبر دفع حلفاؤها في "قوات سوريا الديمقراطية" إلى فتح مواجهة مع عناصر الجيش السوري في الحسكة، وبالتالي لا شيء يمنع تلاقي المصالح مع "داعش" على هذا الصعيد، وتحقيق هدفها الإستراتيجي عبر السيطرة على المناطق الحدودية السورية العراقية، وعندما وجدت أمريكا حليفتها "داعش" على وشك السقوط في دير الزور، فوجهت قواتها الجوية إلى هناك، حيث استهدفت قوات الجيش السوري بضربة خاطفة، هذا العمل له دلالات خطيرة منها، توسيع الوجود الأمريكي في الشمال السوري والذي ظهر جلياً عندما قامت المجموعات المسلحة برفع العلم الأمريكي وتوافد القوات البرية الأمريكية والخبراء العسكريين إلى تلك المنطقة، إضافة الى إظهار التناغم بين القوات الأمريكية في الشمال والإسرائيلية في الجنوب كمحور واحد، فضلاً عن أهمية مطار دير الزور بإعتباره قاعدة جوية وبرية لكافة العمليات القتالية في المدينة وهو المنفذ الأخير الذي يتم من خلاله تأمين كافة مستلزمات الحياة لسكان المدينة وهذا ما يعكس البعد اللوجستي للمطار الذي أضحى هدفاً اساسياً للإرهابيين.
وفي الاتجاه الآخر لم يتأخر الحليف الآخر للولايات المتحدة كثيراً عن مساندة هذه المجموعات ولكن في الجبهة الجنوبية من المعارك وخاصة في محافظة القنيطرة، حيث دخلت إسرائيل على خط الحرب وشنت طائراتها غارات جوية على مواقع عسكرية سورية بحجة سقوط قذائف في الجولان المحتل، وبالتالي لا يجب إستغراب أن تكون فعلاً الولايات المتحدة قد بادرت إلى الإستعانة بورقة "داعش" من جديد، لا سيما أن الوقائع أثبتت على مر السنوات السابقة أن التنظيمات الإرهابية ليست إلا أدوات، تنطلق الحرب عليها بعد إنتهاء دورها، واليوم المحللين السياسيين ليسوا مسرورين بل قلقون من فشل الخطة الأمريكية وصمود الرئيس الأسد وحلفاؤه من تلك الحملة الجوية، ومن هنا فإن حرب أوباما الجديدة لن تخرج عن حروب أمريكا التي تبدأ ولا تعرف نهاياتها أو يتحقق فيها نصر، وإستمرار هذه الحروب يبدو هدفاً في حد ذاته.
على الأرض، فإنّ التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب المكوّن من أكثر من عشرة بلدان، وبمساعدة الولايات المتحدة ودول غربيّة أخرى، لم يحقّق أيّ تقدماً، وعلى العكس، وجدت أمريكا وأدواتها نفسها تواجه جيش قوي، ما تزال قواته تسيطر على مساحات كبيرة من الأرض السورية، وذلك على الرغم من التعزيزات التي رفدته بالإرهابيين من العديد من البلدان بما فيها الدول الغربية والأوروبية، وهكذا، فإنّ أمريكا تجد نفسها الآن في مواجهة حربين، واحدة في سورية وأخرى على أراضيها، بالتالي فإن إشعال أمريكا للنار قد ارتدّ عليها ليحرقها، ويبدو بأن واشنطن قد بدأت تدرك ذلك.
مجملاً.... بالرغم من كل الوسائل الأمريكية، ومواجهتها لدوافع وتصميم الشعب السوري، فقد خسرت أمريكا وحلفاؤها بالفعل هذه الحرب، وفشل أوباما الرهان، مع ذلك فقد كان العديد من الأشخاص قد حذّروا من طبيعة الشعب السوري، والخصائص الجغرافيّة لهذا البلد، التي جعلت أي محاولة لإخضاعه عن طريق تدخّل عسكري خارجي أمراً مستحيلاً، بعد كل ذلك، لم يعد هناك إلا انتظار سقوط التنظيمات المتطرفة المجرمة بأسرع وقت ممكن، وهنا يمكنني القول بأن كل يوم يمر تتأكد نوايا أميركا بأنها لا تريد إنهاء تنظيم "داعش" وأخواته، وأنها تلعب على أوتار تختارها هي فتعزل دولاً وتقدم الى الواجهة دولاً أخرى وأدواراً حسب معاركها السياسية الدولية ومقايضاتها، وببساطة شديدة، فشلت كل حروب أميركا والغرب لإستعادة ما خسروه في العراق، وفشلت كل محاولات التعويض من خلال الفوز بسورية، وها هم يخشون المزيد بعد ما حصل في اليمن أخيراً، وزادت خشيتهم بعدما نجحت سورية في هزيمة المتطرفين وأعوانهم وسحق مشروعهم في المنطقة.
khaym1979@yahoo.com