المرأة في منتصف العمر تكون أكثر توازنا نفسيا (على الأقل) من الرجل، لأنها تكون قد عاشت مراحل عمرها من الحب والزواج والإنجاب، وتصبح في تلك المرحلة من منتصف العمر أكثر تفرغا لذاتها ومواهبها واهتماماتها.
أزمة منتصف العمر أو ما يُسمّى بالعامية سن اليأس، هي للأسف مُصطلح خاص بالنساء إذ يربطونه بانقطاع الدورة الشهرية، كما لو أنها علامة الأنوثة الوحيدة وعدم قدرة المرأة على الإنجاب بعدها، أما الرجل فلا يشمله هذا المُصطلح للأسف، وتُصبح النظرة للمرأة بعد انقطاع الطمث كما لو أنها "كائن لاجنسي" ويُنظر إليها كما لو أنها في عُمر الجدات عليها حياكة الصوف لأحفادها.
أما الرجل -ولا أعمم- فالنظرة إليه وهو في منتصف العمر كما لو أنه لا يزال مرغوبا جدا في سوق الزواج، وأصدق مثال على ذلك المثل القائل “لا يعيب الرجل إلا جيبه”. ولأنني أؤمن أن الأمثال تُعبر عن عقليه الناس بشكل عام، فإن أهم صفة يجب أن يتمتع بها الرجل هي مقدرته المالية، أما مفاهيم الشرف والأخلاق والرجولة الحقة والشهامة فهي صفات ثانوية وتأتي بالدرجة الثانية بعد المال وثروة الرجل.
وفي الحقيقة فإن مفهوم منتصف العمر للرجل والمرأة الذي يكون بين عمر 45 سنة إلى 50 سنة مرتبط بمستوى الهورمونات الجنسية لدى الجنسين. ولا ننكر الحقيقة العلمية بأن النساء في منتصف العمر يتعرضن لانقطاع الطمث ويصبحن غير قادرات على الإنجاب ويترافق ذلك في أحيان عديدة مع انخفاض في الرغبة الجنسية، لكن الدراسات الطبية الحديثة وخاصة الكتاب العلمي المهم الذي كتبته الطبيبة الأميركية إيدا لوشان وزوجها بعنوان “أزمة منتصف العمر الرائعة” تبين أن سن اليأس الحقيقي يُصيب الرجال بسبب الانخفاض الشديد لهورمون الذكورة “التستوستيرون”، إذ ينخفض مستواه إلى أكثر من النصف بين الأربعين والخامسة والأربعين من العمر، وهذا ما يُفسر رغبة أو ميل العديد من الرجال في منتصف العمر إلى السعي لإقامة علاقة عاطفية جنسية مع صبايا في العشرين من العمر كما لو أنهم يثبتون لأنفسهم أنهم لا يزالون شبابا ومرغوبين، بينما تؤكد الدراسات العلمية أن المرأة في منتصف العمر تكون أكثر توازنا نفسيا (على الأقل) من الرجل، لأنها تكون قد عاشت مراحل عمرها من الحب والزواج والإنجاب، وتصبح في تلك المرحلة من منتصف العمر أكثر تفرغا لذاتها ومواهبها واهتماماتها، لأنها ولحسن حظها لا تشعر -كالرجل- بوجوب التأكيد على أنوثتها لأنها تتقبل بشكل موضوعي وطبيعي أنها دخلت مرحلة منتصف العمر حيث تتغير أولوياتها، أما الرجل الذي هو ضحية نظرة المجتمع له أيضا ترتبط الرجولة لديه بقدرته الجنسية، لذلك ينتشر استعمال المنشطات الجنسية والفياغرا في منتصف العمر لدى الرجل، ويغيب مفهوم الرجولة الحقيقية التي هي في الشهامة والكرم والشجاعة والإنسانية، ولو تأملنا الشتائم الأكثر إهانة للرجل لوجدناها تدور كلها حول مفهوم القدرة الجنسية والعجز الجنسي! حتى أن البعض يذهب لوصف الرجل بالأنثى فيما لو خسر أو ضعفت قدرته الجنسية.
إن أكبر خطأ أو ظلم يخضع له الرجل والمرأة معا هو ربط مفهوم الرجولة والأنوثة بالهورمونات الجنسية! فلا المرأة تصبح كائنا “لا جنسيا” بعد انقطاع الطمث، ولا رجولة الرجل تقلّ أو تنعدم ويتعرض للسخرية فيما لو انخفض مستوى الهورمون الجنسي لديه أي التستوستيرون.
ومن خلال عملي الطبي كنت شاهدة على حالات ظالمة ولا إنسانية يتعرض لها شباب يعانون من ضعف جنسي لأسباب نفسية ولخوفهم لحد الُرهاب من ضعف أدائهم الجنسي أو قدرتهم الجنسية، حتى أن بعضهم أصيب من شدة التوتر بقرحة معدية (تُسمى قرحة التوتر) وذلك لأن هؤلاء الشباب نشأوا في بيئة تربط الرجولة بالقدرة الجنسية وتعيب على الرجل ضعفه الجنسي وتسخر منه مما يزيد حالته صعوبة وتأزما.
وأروع تحليل نفسي لتلك الحالة هي الرواية السابقة لعصرها والعظيمة التي كتبها الراحل المبدع نجيب محفوظ وهي رواية “السراب”، إذ يُبين فيها التأثير الكارثي للتربية بشكل عام في عالمنا العربي إذ لا يوجد اختلاط حقيقي بين المرأة والرجل، بل ينظر كل منهما إلى الطرف الآخر كجنس آخر وليس كإنسان آخر يُكمله ويُشاركه رحلة الحياة.