تعد معركة حلب آخر المعارك بالنسبة لداعش ومن معها من المجموعات المسلحة، وحسمها من قبل الجيش السوري لصالحه، يعني تلقائياً هزيمة نكراء لهذه المجموعات ولمن يدعمها، ذلك أن الإعتقاد السائد لدى الأعداء والمتآمرين أن حلب ستكون هي المقبرة للجيش السوري، لكن خيباتهم وإنكساراتهم كانت أسرع من تمنياتهم، فقد فتح تطهير المنطقة الشرقية في حلب وتضييق الخناق على آلاف الإرهابيين فيها الطريق نحو تطهير ما تبقى من المناطق الملوثة بالإرهاب في حلب، لذلك فإن المعركة هناك تجعل الإحتمالات مفتوحة على تغييرات ميدانية مهمة بعدما إنتقل الجيش السوري من موقع الدفاع الى موقع الهجوم في المعركة.
اليوم تشهد مدينة حلب مواجهات ومعارك شرسة بين الجيش السوري وحلفاؤه وبين المجموعات المسلحة وأعوانها، حيث تمكن الجيش السوري من السيطرة على محمية الغزلان القريبة من خناصر، بعد أن نجح في السيطرة على الجزء الشرقي من مدينة حلب، والإستيلاء على محور الكاستيللو وقطع طرق الهروب والتعزيزات والإمدادات الرئيسية التى تصب فى حلب الشرقية وتمد المسلحين بالذخائر والمؤن والسلاح وذلك تحت الإشراف المباشر من تركيا وحلفاؤها، هذا مما شكل متغير مهم في الحرب السورية يمكن أن يغير مجمل المعادلة السورية، وربما يفتح أبواباً واسعة وجديدة لإنهاء هذه الحرب.
بالمقابل يسعى الجيش السوري إلى إستعادة النقاط التي خسرها إثر الإنسحاب المفاجئ من مجمّع الكليّات العسكريّة "جنوب غرب حلب" إضافة إلى التلال الإستراتيجيّة، والعمل إلى إعادة التموضع وتثبيت خطوط دفاع متقدّمة على مسافة من مداخل المدينة، وذلك لإعادة إحكام "الطوق" بالسيطرة الميدانيّة وتعزيز الأمان حوله، خاصة بعد نجاحه في سدّ "ثغرة الراموسة" بالقصف المستمر، وهو ما نجح حتى اللحظة من خلال إلحاق خسائر كبيرة في صفوف هذه المجموعات وتحوّل سيطرتها على الكليات الى عبء وخطر كبير عليها، خاصة بعد أن إتخذها الجيش كتدبير فرضته متغيرات الميدان ليكون منطلقاً لتعزيز عملية الدفاع والهجوم له.
كما شنّ الجيش السوري غارات مكثفة على الجبهة الجنوبية الغربية والجبهة الغربية، وقبل بدء الهجوم الذي خططت له المجموعات المسلحة، نفذ الجيش السوري ضربته الإستباقية، من خلال قصف تجمع المسلحين ومن ثم الهجوم على هذه المجموعات خاصة بعد إستقدام أعداد كبيرة من المسلحين إلى جبهات حلب، وتكمن أهمية العملية النوعية الناجحة التى قام بها الجيش ضد هذه المجموعات والتي أسفرت عن مقتل رؤوس هذه المجموعات وتدمير مخازن الأسلحة والذخائر والمتفجرات التي تستخدمها فى عملياتها الإرهابية ضد المواطنين العزل، لتؤكد على إصرار الجيش السوري على إجتثاث ظاهرة الإرهاب الأسود من جذوره وتعقب وملاحقة عناصره وقياداتهم أينما كانوا فى سبيل الحفاظ على أمن واستقرار سورية، وقد يساعد استئناف الحوار بين موسكو وأنقرة على زيادة الحصار للمجموعات المسلحة من الشمال، بعد أن أعربت تركيا عن إستعدادها لإغلاق الحدود، والتي ستكون الضربة القاصمة على الإرهاب ووضع نهاية للحرب.
في سياق متصل إنّ تحرير حلب بشكل كامل سوف يتمّ خلال أسابيع قليلة، بل إنّ بعض التقديرات ذهبت إلى توقع إنجاز تحرير المدينة من المجموعات في غضون أيام، ذلك في ضوء الإنجازات الكبيرة التي حققها الجيش في محيط المدينة، وفي ضوء حجم وطبيعة القوة التي تمّ حشدها لتحريرها، حيث تمّ توفير متطلبات عملية التحرير بالمعايير العسكرية، وتزويد المقاتلين بالأسلحة المناسبة، سواء كثافة النيران، أو الاستطلاع الدقيق، الأمر الذي يؤكد أنّ تحرير مدينة حلب سوف يستدعي قتالاً شرساً في كل بقعة منها ، لا سيما أنّ تحرير حلب، يعني تحرير كافة المناطق المحاذية لها، وهذا يعني سقوط داعش وأدواتها في سورية، لأنّ تواجد هذا التنظيم سيكون محصوراً في عدة مناطق محددة، وعندما ينتهي الجيش السوري من معركة تطهير حلب سوف يكون قادر على تطهير كافة المناطق السورية التي خضعت لسيطرة داعش ومرتزقتها، لهذا فإنّ داعش وأدواتها تعتبر معركة حلب معركة مصيرية وعليها يتوقف مستقبل بقاء هذا التنظيم مسيطراً على أجزاء واسعة من سورية، ويتوقع في ضوء ذلك أن يستميت في القتال لتأخير سقوط مدينة حلب، وهذا من شأنه أن يطيل أمد معركة تحرير المدينة بعض الأيام، وقد نشرت صحيفة الإندبندنت الأسبوع الماضي تقريراً تقول فيه إن قوة تنظيم "داعش" قد تآكلت بشدة في العراق وسورية وإن التنظيم ربما تكون قواته الآن نحو 15 الف مقاتل، وأنه خسر نحو 45 الف مقاتل، بفضل الضربات العسكرية التي أضعفته بشدة، وينخفض هذا العدد عن التقدير السابق لقوات التنظيم والذى تراوح من 19 – 25 الف مقاتل، بحسب الصحيفة.
مجملاً....ما من شك ان سقوط حلب وإنكسار المجموعات المسلحة وعجزها الواضح عن استعادة زمام المبادرة وفك الطوق الذى يفرضه الجيش السورى على المدينة رغم شراسة المعارك التي تدور حتي الآن وإمتناع وصول الإمدادات إلى بقايا الجماعات عن طريق الحدود التركية، يمثل تغييراً جوهرياً أساسياً فى خريطة الميدان السوري ونوعاً من إعادة النظر الشاملة فى موازين القوى لكل الأطراف المتحاربة، وبإختصار شديد، يمكنني القول إنه في حلب سنشهد أياماً مقبلة مليئة بالتطورات والإنتصارات، وسيرتفع علم سورية عالياً فوق أرض حلب وسيمزق الشعب السوري تلك الرايات السوداء للغرباء الذين حالوا إختطاف مدينة حلب، وإن الصفعة المؤلمة التي ستتلقاها هذه المجموعات ستترك تأثيراتها المباشرة على الأزمة السورية وستعمل على تغيير الكثير من المواقف في الساحتين الإقليمية والدولية