معالي وزير التربية والتعليم حفظه الله
اسعد الله اوقاتكم
عادت حفيدتي من المدرسة – وهي مدرسة خاصة ذات سمعة جيدة – وحفيدتي في التوجيهي الادبي – سالتها عن الدراسة ونحن لا زلنا في مطلع العام فاجابتني بانها تنوي الذهاب الى معهد لتعليم اللغة العربية ، وعندما سالتها لماذا هذه الرغبة وهي في مدرسة تستوفي من الرسوم ما يعادل كل رسوم المعاهد الخاصة ؟ اخبرتني ببراءة بان معلمة اللغة العربية في المدرسة لا تدرك الفرق بين لا الناهية ولا النافية ، فبناء عليه قررت حفيدتي ان تعرف الفرق بين لا الناهية ولا النافية بشكل صحيح وهذا ما ستجده في معهد خاص لدراسة اللغة العربية.
اكتب اليك الان معالي الوزير بعد هذا الحوار البسيط بيني وانا اصبحت من جيل متقاعد وبين حفيدتي التي تمثل الجيل الصاعد الذي سيستكمل بناء الوطن ، وبعد ان تذكرت قصة حدثت معي منذ اكثر من خمس وثلاثين سنة عندما عدت من اوروبا احمل شهادة الكتوراة في الكيمياء ، وعملت حينها في الصناعة ، وتعرفت على مشاكلها من الداخل ووجدت ان من اهم تلك المشاكل عدم معرفة الادارات العليا في الصناعة باللغة العربية , وبالتالي فليس لديهم القدرة على انشاء مفاهيم محلية بمحتوى عالمي للصناعة وايصال المعلومات بالشكل المناسب للعاملين عليها ، مما يحرم اولئك العمال من التعرف على اسرار الصناعة واساليب العمل الصحيحة فيها فينتقل ذلك الحرمان الى حرمان مستخدمي المنتجات من النواتج المناسبة من المصانع العربية.
قررت بناء عليه ان انتسب لاحدى الجامعات الاردنية وادرس اللغة العربية على اصولها لاساهم في تعريب المفاهيم الصناعية وتيسيرها على العاملين لتحقيق النتائج المرجوة ... ذهبت للجامعة وقالوا لي يومها ان تحقيق رغبتك تلك عند عميد القبول والتسجيل بالجامعة .. قابلته وكان دمثا وقورا عندما قدمت له نفسي باني الدكتور فلان الدارس الكيمياء في جامعة كذا ... وشرحت له الموضوع بايجاز كما انا اكتبه الان ، فاظهر الاهتمام والسرور من الفكرة لكنه عاد في جلسته للخلف .. قلت له دعنا نبدأ ... قال توكلنا على الله قدم لنا الوثائق المناسبة لتسجيلك .. قلت من اين نبدأ؟ قال اعطني اولا شهادة التوجيهي الخاصة بك .. قلت له اما هذه فقد ضاعت عام 1965 ميلادية عندما دخلت الجامعة بالاعتماد عليها ، وان شئت فانا مستعد ان اقدم لك بديلا لها شهادة الدكتوراه التي هي من جامعة عريقة في بريطانيا... رفض الاستاذ الدكتور عميد القبول والتسجيل واصر ان احضر له شهادة التوجيهي .. وتم بذلك وأد الفكرة في مهدها ، فلا المفاهيم التي تعاملت معها تعربت ولا الصناع في المصانع التي عملت بها في حينها وبعدها فهموا بالضبط كيف يصنعون الاشياء الجيدة الا بالقدر الذي اجتهدته انا ومن وافق معي في حينه على الفكرة فمارسنا التعريب بصعوبة بالمستوى ما تعلمناه من لغة على مستوى الشهادات التي فقدناها لاسباب تاريخية ربما كان من اهمها اننا حصلنا على التوجيهي قبل النكسة ، فضاعت شهاداتنا كما ضاعت بلادنا ، وبالرغم من ذلك الضياع الذي كان من اسبابه الاهتمام باشكال الاشياء لا ببواطنها اما عدونا فقد كان مهتما ببواطن الامور لا باشكالها ونحن لا زلنا لا نطبق مفاهيم ومكنونات القوانين بل نهتم بحرفية واشكال النصوص اي كان وقتها وتاريخ وضعها .
معالي الوزير
علمنا الواقع الذي نعيشه الان ان الحفاظ على لغتنا كان اساس الحفاظ على ديننا وعلى وطننا ، وهي بحاجة الى ان نضعها ونجعلها في رأس ما يجب ان يتعلمه اولادنا وان تحظي باعلى الاهتمامات في برامج ومسؤوليات معاليكم في كل الوطن من الشام لبغداد ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان.
يحتاج التعليم في بلادنا سيدي الى اعادة هيكلة وهذه تختلف عن التعديلات التي تفرضها الظروف ، وانت تعلم سيدي بانه بالقدر الذي تحتاجه الامة الى اطباء مهرة في المستشفيات فانها تحتاج الى ائمة مهرة في المساجد ، فليت هناك قرار في توزيع الناجحين في التوجيهي على التخصصات في الجامعات ان يدخل كلية الشريعة من يرغب في ذلك على ان يكون مستواه في امتحانات الثانوية العامة مثل مستوى الذي يدخل كلية الطب او الهندسة ،
صدقني يا معال الوزير ان تاثير خطباء المساجد في تحسين وتطوير واقعنا لا يقل ابدا عن تاثير المهندس الماهر والنطاسي البارع ، وانا متاكد انك ترى ما اراه تماما، والفرق ان بيدك قرار للتغيير.
والله يحفظك ويرعاك
التوقيع
مواطن يرغب في تحسين الحال