الراية البيضاء

mainThumb

10-08-2016 12:27 PM

اختلطت في أذهاننا الأشياء ، وما عدنا نميز الغثّ من السمين ، ولهذا ما أن نباغت بجديد حتى يتخلى عنه أصحابه في غمضة عين ، ليركبوا موجة جديدة أخرى تختلف في الشكل واللون عن سابقتها .. كما  لو أنهم استقبلوها على جهاز الفاكس ولا بأس أن تكون حربا على سابقتها بدعوى التجديد والتطور والسرعة وبدعوى أننا أبناء هذا العصر .. صحيح أننا أبناء هذا العصر ولكن لا يحق لنا أن ننسى أننا أبناء العصور السالفة أيضا .. فمن لا جذور له لا يستطيع أن يطفو على سطح ، ولا يستطيع أن ينمو على ظاهر أرض .. ومن لا ماضي له لا حاضر له ولا مستقبل .

 

وقراءة سريعة لواقعنا الفكري تبين ما ذهبت إليه وإلى أكثر مما ذهبت إليه ، فقد امتلأت مكتباتنا بالغثاء ، وأصبحت نقاشاتنا الفكرية تنصبّ على الأشخاص وليس على الأعمال .. واختلط الحابل بالنابل مما جعل سيلا من التساؤلات يفرض نفسه علينا فهل بكاؤنا على الماضي جلب لنا شيئا من روائع ذلك الماضي التليد ؟ وهل بكاؤنا على الحاضر أو تباكينا عليه جلب لنا شيئا يسمن أو يغني من جوع ؟ وهل تخبطنا بين المدارس الفكرية الحديثة جلب لنا شيئا يذكر ؟ 
 
وعلى قمة هرم هذه الأسئلة يتربع السؤال الآتي : 
 
هل تهجينا ماضينا وفهمناه واستوعبناه لنبني حاضرنا ؟ إذن لماذا كلما فقدنا علما من أعلامنا عزّ علينا إيجاد علم مثله ؟ ولماذا كل طود ينهار ينهار إلى الأبد ؟ هل فقدنا الإخلاص والجدية ؟ وهل كلمة ( أنا لا أزال هاويا ) هي تهرّب من المقاضاة ؟ أين نحن من الذين كانوا ينكبّون على التعمق في الدراسة حتى تكلّ أبصارهم ؟ أين نحن من الذين كانوا يقطعون آلاف الأميال سيرا على أقدامهم ليتحروا صدق حديث ؟ أين نحن من الذين يقضون أجمل سنيّ عمرهم داخل المختبرات فيفنون صباهم وشبابهم وكهولتهم ليحققوا نظرية من النظريات التي يعم العالم نفعها ؟ أين نحن من الذين تجردوا من الدنيا ونذروا أنفسهم لخدمة الناس كل الناس بما يتوصلون إليه من دراسات وأفكار ؟ أليس كل هذا يندرج تحت مسمى المعرفة ؟ وهل حضارات الأمم إلاّ معارفها وما تتوصل إليه من أفكار طرحت أعمالا ؟ 
 
وهل الخلل إلاّ فينا ؟ 
 
لقد أدمنّا ثقافة الهمبورجر والبيبسي أما الثقافة الحقّة فالظاهر أنها أصبحت بعيدة عنا وأصبحنا في منأى عنها .. حتى أن أكثر السادة النقاد لملموا أوراقهم وانكفأوا على ذواتهم وهم يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعا في حين أن الحقيقة الساطعة هي أنهم رفعوا عاليا ـ وعن طيب خاطرـ راية الهزيمة والاإستسلام .
 
فإلى متى يبقى هذا الحال ؟ الله أعلم .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد